أبدى عددٌ من كُتّاب القصة السعوديين، استغرابهم من غياب القصة القصيرة عن البرنامج الثقافي المصاحب لمعرض جدة الدولي للكتاب، الذي أسدل الستار على فعالياته يوم الأحد الماضي، مرتئين في هذا التغييب تهميشًا لهذا الفن، وحجبًا له عن الظهور في أحد المواسم الأدبية المهمة في الرزنامة الثقافية السعودية، محاولين البحث عن «السر» وراء هذا الحجب بطرح أسئلة قلقة، وترجيحات لم تخلُ من اتهام للجنة البرنامج ب»قلة الخبرة والثقافة وسيطرة روح الشللية في عملها».. جملة هذه الآراء في سياق هذا التحقيق حول غياب القصة القصيرة عن برنامج «كتاب جدة».. ومع استغراب القاصّ «محمد بن ربيع الغامدي» لغياب القصة عن هذه الفعاليات، إلا أنه يرى أن أكثر الأمسيات القصصية التي تحدث هنا وهناك تضر بالسرد أكثر مما تنفعه؛ ذلك لأنها تقام غالبًا بصورة جافة، وكم أتمنى لو ابتكر منظمو تلك الأمسيات طرائق أخرى في تنفيذ تلك الأمسيات، أدناها أن تقرأ القصة تحت ظلال المؤثرات المختلفة، وأعلاها أن يتم بناء فعل بصري سمعي حركي يدور حول قصة أو حول قصص أو مجموعات منتخبة. الغامدي: الأمسيات القصصية تضر بالسرد الروائي والقاصّ «ظافر الجبيري» طالب بإنصاف السرد، أسوةً بالشعر في الفعاليات المصاحبة، في ثنايا قوله: «لا أعلم ما أسباب تجاهل القصة القصيرة، وهي الفن الراقي والحاضر بقوة في مشهدنا الأدبي؟ ومن واقع المبيعات في معارض الكتاب فإن القصة وشقيقتها الرواية تشكلان رقمًا مهمًّا في أرقام المبيعات والعناوين المطلوبة، وعلى هذا أدعو القائمين على المعرض إلى تدارُك المسألة، وإعطاء القصة حقها أسوةً بالشعر. فبالشعر والقصة يطير طائر الأدب الجميل محلّقًا بجناحيه». الجبيري: أعطوها حقها أسوةً بالشعر كذلك بدا القاصّ «يحيى العلكمي» حائرًا؛ من سبب غياب القصة عن الفعاليات، وتكهن بأنه: ربما أثير جدل حول قدرتها المنبرية على الوصول، وفي ظني أن هذا الأمر محسوم منذ فترة طويلة، فالأمر يتعلق بالسَّارد ومدى مهارته «المسرحية الإيحائية»، على نقل المتلقي إلى مضمونات النص. وخلص إلى القول: «إغفال القصة وهي الركن الرئيس في منظومة الفعل الإبداعي، ليس اتجاهًا صحيحًا مهما كانت المبررات». ويسترجع القاص الدكتور عبدالله الطيب ما وجدته القصة القصيرة من حفاوة قبل أيام قلائل في نادي الباحة الأدبي، منطلقًا من ذلك إلى طرح أسئلة حيرى وقلقة حول غياب هذا الفن في برنامج «كتاب جدة» الثقافي، متسائلًا: «كيف غابت أمسيات السرد والقصة القصيرة عن هذا الزخم والتنوع في البرنامج الثقافي للمعرض؟ كيف تغيب القصة وهي تعتبر سيدة السرد؟ هل هذا التهميش غير مقصود، أم أن تواري السرد عمومًا والقصة القصيرة خصوصًا له أسباب تبرره؟». متابعًا حديثه بقوله: «غياب السَّرد من فعاليات المعرض فيه تقليل من دور المشتغلين في هذا الفن، والذين يعتبرون من بين أهم رواد معارض الكتب الداخلية والخارجية، وأحد أهم روافد الكتاب، وسبب رئيس وداعم لاستمرار وجود الكتب؛ لذا أتمنى أن يأخذ السرد مكانه المستحق في دورات المعرض التالية، وأرجو أن يكون على رأس فعاليات معرض الرياض للكتاب في هذه السنة». ويتساءل القاصّ «جمعان الكرت»: «لم لا ينظر للقصة كجنس أدبي راق؛ علمًا أن هناك محبين لها تواقين لسماع جمالياتها بكل التفاصيل الدقيقة؛ «مكان زمان شخصيات أحداث وثيمات»، ولمّا كان معرض الكتاب بجدة يستقطب كل شرائح المجتمع؛ إذ يحظون باقتناء الكتب وحضور الأمسيات الشعرية والثقافية والنقدية - فإن القصة تشعر بالحزن، فهل يتنبه القائمون؟ أم تظل القصة في الهامش وكأنها ليست واحدة من الفنون الراقية والمؤثرة في الحراك الأدبي والثقافي؟ بل أسهمت أيضًا في رفع وعي المجتمع». ويطرح القاصّ «فيصل الشهري» جملةً من الأسئلة الاستنكارية بقوله: «كيف لحفل زفاف أن تتم طقوسه دون حضور العروس؟ كيف للفرح أن يحضر دون موسيقى السيدة؟ القصة بكامل فتنتها تغيب عن المشهد، بكل ما تكتنزه من دهشة ومفارقات تغيب، وعلى وجه الدقة تغيب؛ لأنها من بنات السرد المتهم بالفشل». ويمضي الشهري مضيفًا: «السرد فاشل الحضور في محافل الكتاب»، بمثل هذا الإيلام عبر رئيس اللجنة الثقافية القدير «حسين بافقيه»، قرأت مرة ومرتين هذا السطر الذي صرح بها لإحدى الصحف، فكم هو محبط أن تقول هذا وأنت تقف على رأس الهرم، كم هو موجع أن تتغافل الواقع، الواقع يقول إن كتب السرد هي الأكثر اقتناءً، وهي الأكثر مقروئية. قد يكون لدى رئيس اللجنة ما يستند إليه وهو ما أوصله لهذه القناعة، ولكن مهما كانت قناعته بذلك فليس من حقه أن يلبسنا قناعته ويعمم علينا فهمه، ومع هذا أتوقع أن مشكلة «حسين» ليست مع السرد ولكنها مشكلة مع التجربة. ويعبر القاصّ «محمد علي مدخلي»، عن أسفه لغيابها، في سياق قوله: «يحز في النفس كثيرًا غيابها عن المشهد في معرض كتاب جدة، والذي لا يوجد له أي مبرر، عدا أنّ القائمين على فعاليات الثقافة الأدبية المجدولة لا يعوون أهمية الأمسية السردية للقاص والمتلقي والمنظومة الأدبية في المملكة». ويرى القاصّ «حسن البطران»، أن خلو البرنامج الثقافي لكتاب جدة من القصة «نوع من الإقصاء والخلل الذي لا بد أن يعالج سريعًا وفي حينه، ويتفادى هذا الخلل الذى أظن أنه غير مقصود في الدورات القادمة بداية».. مضيفًا: «وإن بقي هذا البرنامج دون استدراك هذا الخلل، فيعتبر غير مكتمل من الناحية التنظيمية البرامجية من وجهة نظري الشخصية». وترى القاصّة والروائية «مريم الحسن» أن «هذه الملتقيات تقدم العديد من الأفكار والتطور والتحفيز، من خلال تبادل الثقافات، وهذا التهميش يقتل المساعي الحثيثة في الارتقاء بالسرد والقصة». مختتمة بقولها: «على الجهات المعنية الاهتمام في هذه الملتقيات الدولية من معرض للكتاب، أو مهرجانات، بوضع برنامج خاص بالقصة القصيرة؛ لكي نرتقي بها بالمستوى الذي نسعى إليه، كقاصين وقاصات، ونقدمها بالشكل الذي نطمح إليه». واكتفى القاصّ محمد الشقحاء بالقول: «مناشط معرض الكتاب المنبرية غير ملزمة بالجانب الإبداعي وخاصة السرد، والمعرض سوق تجاري لتسويق الكتب، كما أنه فرصة لأصحاب الدور، للتعاقد على طبع كتاب وتوزيعه».