بصراحة كانت أرقام الميزانية الجديدة بالنسبة لي مذهلة. توقعات معظم المراقبين أن تشهد ميزانية هذا العام انخفاضًا كبيرًا بهدف دعم حالة الترشيد السائدة والمقبولة بكل المعايير. تلكم هي أولى المفاجآت السارة جدًا، فقد اقترب الرقم الكبير من تريليون ريال مع عجز يقترب من 8% فقط في عام 2018م من الناتج الإجمالي المحلي (أقل من 200 مليار ريال). وقد لخّص المليك المفدّى ذلك بقوله: (إن الميزانية تعتبر الأكبر في تاريخ المملكة بأسعار نفط متدنية، والتي تضمن استمرار نمو الاقتصاد عبر تنويع القاعدة الاقتصادية). ومن وجهة نظري، فإن من أهم مميزات ميزانية هذا العام ما يلي: أولا: ما أكدّه خادم الحرمين الشريفين في كلمته إذ قال: (ستواصل الميزانية الصرف على التنمية في القطاعات المختلفة، وإنفاق كبير من الصناديق الحكومية بما يوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين والمواطنات، ووجهنا برفع وتطوير الخدمات الحكومية وتعزيز كفاءة الإنفاق والشفافية لتحوز رضى المواطنين والمواطنات عن الخدمات المقدمة لهم، والتأكيد على الاستمرار في محاربة الفساد والمحافظة على المال العام). رائع.. ما هو المتوقع من رفع وتيرة الإنفاق المقرون بالكفاءة على التنمية (بما تتضمنه من مشروعات حيوية مهمة) مع تعزيز مبادئ الشفافية ومحاربة الفساد والمحافظة على المال العام! حتمًا سيضاعف العائد من هذا الإنفاق أضعافًا كثيرة لأن غياب الشفافية يعني بالضرورة تغلغل الفساد، ومن ثم ضياع جزء كبير من المال العام هدرًا في جيوب وأرصدة الفاسدين من مختلسين ومرتشين وغيرهم. ثانيًا: مساهمة صناديق الدولة الكبرى في ميزانية هذا العام، وعلى رأسها بالطبع صندوق الاستثمارات العامة، وبنسبة تزيد على 13% من إجمالي الميزانية (133 مليارا من 978 مليار ريال). وهي خطوة محمودة ترسّخ التوجه الصائب نحو تقليص الاعتماد على النفط ركنًا وحيدًا لا يكاد يشاركه أحد في تحمل أعباء حياة مستقرة ورفاهية مزدهرة. ثالثًا: إطلاق 12 برنامجًا متكاملاً مدعومًا من ميزانية هذا العام تصب جميعًا في أهداف تحقيق رؤية 2030، كما تسهم بصورة كبيرة في تمكين القطاع الخاص من زيادة استثماراته وتوسيع أنشطته وضخّ روح المغامرة والتحدي في أوصاله. هنيئًا للوطن بقيادته، وللمواطنين بميزانية خير حطمّت التوقعات ورفعت الآمال.