بعض الأشخاص لا يود أن يبدي رأيه بشأن قضية معينة، وحتى يهرب من هذا الموضوع فتجده يفيد بأنه يقف موقف الحياد من هذه القضية، ولا يميل إلى أي طرف فيها، ولا ينحاز إلى أي وجهة معينة، ولا يُؤيِّد طرفاً على طرف، ويحرص على أن يكون على مسافةٍ واحدة من جميع الأطراف دون أن يُفيد برأيه، معتقداً أنه بذلك قد نجح في إنقاذ نفسه من الحرج، أو أن يكون محسوباً على طرف ما من أطراف القضية. ويُعرف الحياد بأنه عدم الميل إلى أي طرف من أطراف الخصومة، ومعنى «على الحياد»، أي غير منحاز لأي من الطرفين، ولكن في لسان العرب ذكر (مادة: حيد)، أنه حاد عن الشيء أو يحيد حيداً: مال عنه وعدل، ومثله في القاموس المحيط، ومن ذلك يتضح أن لا رابط بين معناها في اللغة، وما استخدمت من أجله، ولذلك نجد بأن البعض يرى بأن الحياد شيء إيجابي، في حين يرى آخرون بأن الحياد من الخصال السيئة، التي يلجأ إليها الضعاف الذين يخشون أن يقولوا كلمتهم ويبدوا رأيهم، وخصوصاً إن كانت تلك القضايا ترتبط بقضايا حاسمة وواضحة، مثل القضايا الدينية أو الوطنية والتي تكون واضحة لا لبس فيها. طبيعي عندما يُكلَّف شخص مسؤول أو قاضٍ بالتحكيم في أمر ما أو القضاء فيه، أن يكون محايداً، ولا ينحاز إلا إلى الأدلة والبراهين والحقائق، حتى يكون حكماً عادلاً ومنصفاً، ولكن أن يعلن البعض حيادهم في قضايا عامة أو وطنية واضحة البراهين مكتملة الدلائل، فمثل هذا الموقف هو في حقيقته انحياز وليس حياداً، إذ إنه على الرغم من معرفته بالحق فهو لا يقف معه ولا يُؤيِّده بدعوى ضالة تفيد بأنه محايد، وبأنه لا يميل إلى أي طرف من أطراف القضية، وهو بهذا الموقف يريد أن يبدو وكأنه منصف وعادل، ولكنه في حقيقة الأمر ظلم نفسه وظلم القضية التي يبدي رأيه فيها. من الناس من جعل من الحياد مصطلحاً غامضاً ومضللاً، يستخدمه وقتما شاء وكيفما شاء، فهو يجعل من الباطل حقاً ومن الحق باطلاً، في الوقت الذي يريد أن يظهر أمام المجتمع بشكل إيجابي ومسالم، فبعض مَن يدعي الحياد هم في الحقيقة الخصم والحكم، ولذلك أصبح مصطلح الحياد اليوم هو مصطلح وهمي لا حقيقة له، خصوصاً في قضايانا الدينية والوطنية، وفي كل ما يمس أمن وأمان الوطن، إذ إنه في حقيقته انحياز، ولكن يعمد البعض لاستغلاله ليخفي ويبطن رأيه الحقيقي، والذي يخشى أن يصرح به.