تتمتع العلاقات السعودية الروسية على مدى تسعة عقود مضت بالتفاهم المشترك بين قيادتي البلدين، إدراكًا بأن المملكة وروسيا تمتلكان إمكانيات كبيرة في مختلف المجالات، الأمر الذي عزّز من مكانة هذه العلاقات، وجعلها تتوسع في مجالات متنوعة تعود بالنفع لصالح الشعبين الصديقين، خاصة خلال عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله -. وخاضت المملكة تجربة تعاون جديدة مع روسيا بخلاف التعاون السياسي والاقتصادي، حيث وجهت بوصلة برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي إلى أعرق الجامعات الروسية المعروفة في العالم، ويدرس فيها حاليًا أكثر من 30 مبتعثًا ومبتعثة في تخصصات علمية وطبية دقيقة بإشراف سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى روسيا ممثلة في الملحقية الثقافية من أجل متابعة مسيرتهم الدراسية، وتلمس احتياجاتهم حتى يعودوا إلى أرض الوطن متسلحين بالعلم والمعرفة. وقال وكيل وزارة التعليم لشؤون الابتعاث الدكتور جاسر بن سليمان الحربش: إن الابتعاث الخارجي يحظى ولله الحمد برعاية واهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع - حفظهما الله -، وما فتئا في كل زيارة إلى بلدان العالم إلا ويلتقون بالمبتعثين والمبتعثات ويتلمسون احتياجاتهم، ويحفزونهم على تلقي المزيد من العلوم للعودة إلى الوطن وخدمته. وثمن في ذلك السياق، لقاء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز بالمبتعثين والمبتعثات في روسيا بمدينة سانت بطرسبورج التي زارها عام 2015، حيث اطمأن سموه على أوضاعهم، موجهًا بتذليل الصعوبات التي تواجههم ليتسنى لهم الحصول على التعليم بالجودة العالية، وذلك في إطار حرص المملكة على تطوير الموارد البشرية، وتوثيق التعاون بين المؤسسات العلمية والأكاديمية المتقدمة حول العالم. وأفاد الدكتور جاسر الحربش في حديثه لوكالة الأنباء السعودية أن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بدأ عام 1426ه بواقع ثلاث مراحل مدة كل واحدة منها خمس سنوات، واستهدفت المرحلتان الأولى والثانية سد الحاجة إلى مزيد من المقاعد الدراسية والتخصصات العلمية في الجامعات، ومع مرور أكثر من عشر سنوات أصبح من الضروري تطوير آلية عمل البرنامج لزيادة فاعليته بما تقتضيه المرحلة الحالية لتنمية البلاد، خصوصاً بعد إطلاق "رؤية المملكة 2030" وما تمخض عنها من برامج تنموية شاملة تسعى إلى زيادة مصادر الدخل، والاعتماد على الكوادر الوطنية المتعلمة في بناء مستقبل المملكة. ولفت النظر إلى أن عدد المبتعثين والمبتعثات والدارسين على حسابهم الخاص مع مرافقيهم وصل إلى أكثر من 189 ألف في 30 دولة بالعالم، يتلقى معظمهم التعليم في أفضل 200 جامعة موصى بها عالميًا، في تخصّصات متنوعة ستعود بالنفع بإذن الله على البلاد في المرحلة الحالية والقادمة، وهي: الدراسات الإنسانية، الهندسة والمعلوماتية، القانون، العلوم الإدارية والمالية، العلوم الاجتماعية والسلوكية، العلوم الأساسية، اللغة ، الطب، طب الأسنان، والخدمات الطبية، مؤكدًا أن الملحقيات الثقافية في دول الابتعاث تتابع مسيرتهم التعليمية أولاً بأول. وبين أن معالي وزير التعليم الدكتور أحمد بن محمد العيسى وجه ببذل المزيد من الجهود في إطار " رؤية المملكة 2030 " لتفعيل وتنشيط دور الملحقيات الثقافية في التعريف ببلادنا الغالية بماضيها العريق وحاضرها الزاهر في جميع دول الإشراف، وعكفت قطاعات الوزارة على رسم الاستراتيجيات التي تمهد للملحقيات الثقافية القيام بهذا الدور المهم في خدمة الوطن، علاوة على الإشراف الأكاديمي على أبنائنا الطلاب في الخارج. ومن جهته أوضح الملحق الثقافي لدى تركياوروسيا ودول البلقان الدكتور مساعد بن عبدالمنعم العبدالمنعم، أن روسيا من أهم الدول الواقعة ضمن إشراف الملحقية الثقافية في تركيا، وتسعى الملحقية لتطوير التعاون الأكاديمي والعلمي بين الجامعات الروسية ونظيراتها في المملكة لما فيه صالح البلدين، بالإضافة لإشرافها على المبتعثين والمبتعثات في روسيا الذين يتلقون تعليمهم في 18 جامعة روسية منها : جامعة الطب الأولى الحكومية في موسكو، وجامعة بافلوف سانت بطرسبورغ الطبية، وجامعة موسكو الحكومية التربوية، وجامعة لومونسوف بموسكو. وأشار إلى أنه يقوم بزيارات دورية تفقدية إلى روسيا لمتابعة أوضاع المبتعثين والمبتعثات في الجامعات الروسية الذين يحظون بمتابعة من سفارة خادم الحرمين الشريفين في موسكو، كما يلتقي بمسؤولي الجامعات الموصى بها لتنسيق التعاون مع وزارة التعليم حول البرامج الأكاديمية التي تدرس للمبتعثين من جهة، والتعاون العلمي مع الجامعات والهيئات العلمية في المملكة من جهة أخرى، للاستفادة من خبرات الأساتذة الروس في مختلف المجالات لاسيما في مجالات الطب، وعلوم الفضاء. وفي المجال العلمي، أثمر التعاون بين الهيئات العلمية السعودية والروسية نتائج إيجابية استفادت منها المملكة، مثلما جرى عام 2014م، حيث أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عن نجاح إطلاق القمر السعودي الصناعي الثالث عشر لها، والأول من الجيل الجديد الذي حمل مسمى (سعودي سات 4) من قاعدة يازني الروسية. ويمثل إطلاق (سعودي سات 4) أهمية خاصة للمملكة، بوصفه الأول من الجيل الجديد للأقمار السعودية المصممة للتوافق مع مهام فضائية مختلفة تلبي احتياجات المملكة العربية السعودية من خلال برنامجها الوطني للأقمار الاصطناعية في مدينة العلوم والتقنية, مثل التصوير الفضائي ونقل البيانات التي تحتاجها المملكة, إلى جانب إجراء التجارب العلمية الخاصة بالفضاء. وتستفيد المدينة من العلماء الروس في إجراء الدراسات العلمية المتخصصة، خاصة في مجال علوم الفضاء، فخلال زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز إلى روسيا عام 2015م، جرى توقيع مذكرة النوايا المشتركة في مجال الفضاء مع وكالة الفضاء الروسية في مدينة سانت بطرسبويرج، لبحث مشاركة المملكة في الرحلات الفضائية الروسية واستكشاف الفضاء بالمركبات المأهولة وغير المأهولة . وأوضح صَاحب السمو الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذي وقع المذكرة مع مدير وكالة الفضاء الروسية ايغور كماروف أن المذكرة تتضمن التعاون مع وكالة الفضاء الروسية في مجال استكشاف الفضاء واستخدامه للأغراض السلمية مع الاستفادة من تقنيات الفضاء وتطوير أنظمة مشتركة بين المملكة وروسيا الاتحادية في هذا المجال خاصة في المشاريع التجارية والبحوث والتطوير والإنتاج والتصنيع في هذا الجانب. وخلال زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان وقعت كذلك اتفاقية بين حكومتي البلدين للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وتهدف إلى تطوير وتقوية العلاقات التي تعود بالفائدة على الطرفين اقتصادياً وتقنياً. ولا تقتصر العلاقات السعودية الروسية على الجوانب الاقتصادية والسياسية فحسب بل تتعداها لتشمل الجانب الثقافي والإعلامي والرياضي، وبرز الاهتمام الروسي بالثقافة العربية في القرن السابع عشر حين ظهرت أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم بحسب مجلة البحوث العلمية الصادرة من الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، وذلك في مدينة بتراجراد الروسية "لينينجراد" حاليًا. وقام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينةالمنورة بطباعة نسخة حديثة من ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الروسية 1433ه، ترجمها الشيخ إلمير رفائيل كولييف، وكانت الترجمة قاصرة على أداء المعاني العظيمة التي يدل عليها نص القرآن الكريم، وذلك في إطار اهتمام المملكة العربية السعودية بنشر القرآن الكريم وعلومه بمختلف اللغات تيسيرًا على المسلمين للتمكن من قراءته وتدبر معانيه الجليلة. واتجهت جامعة الملك سعود عبر كلية اللغات والترجمة إلى إدراج اللغة الروسية ضمن برامج البكالوريوس لتخصصات قسم اللغات الحديثة في الكلية، ويهتم هذا التخصص الذي يُدرس فيه أساتذة من روسيا ومن دول عربية درست اللغة الروسية في بلد اللغة، بتدريب الطالب على الترجمة بأنواعها الشفوية والتحريرية في مختلف المجالات : القانونية، الأمنية، الدينية، السياسية، الأدبية، والإعلامية. واستضافت الأكاديمية الإنسانية الاجتماعية الروسية في موسكو خلال شهر مارس 2002م مهرجانا ثقافيا بعنوان (يوم الثقافة السعودية) شاركت فيه مجموعة من الشخصيات الثقافية والاجتماعية العربية الروسية وعدد كبير من رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية والإسلامية المعتمدين لدى روسيا الاتحادية. وأقامت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة اللقاء الثقافي السعودي الروسي خلال الفترة من 3 10 سبتمبر 2003م بمدينة سان بطرسبورج، بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين في كلا البلدين، وذلك في إطار دعم الحوار بين الحضارات وتعزيز التفاهم والتوافق لإثراء الحوار الحضاري المؤسس على مبادئ الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات المختلفة. وهدف اللقاء إلى التعريف بالدور الثقافي والحضاري للمملكة العربية السعودية، وجهود المستعربين الروس في خدمة التراث العربي والإسلامي مع اطلاع الشعب الروسي على النهضة الحضارية والثقافية التي تعيشها المملكة، ودعم اقامة صلات تعاونية وثيقة مع العديد من المؤسسات التعليمية والثقافية بما في ذلك العمل المشترك لإقامة التظاهرات الثقافية في مختلف المناسبات ضمن برنامجها السنوي في التواصل بين الحضارات وجسورها التعليمية والثقافية وتمتين العلاقات مع الهيئات الثقافية. وأقامت وزارة الثقافة والإعلام عام 2007م، فعاليات ثقافية سعودية في روسيا في ثلاث مدن هي العاصمة موسكو وقازان وبلغار بجمهورية تتارستان التابعة لروسيا الاتحادية. ومنحت المملكة العربية السعودية عام 2007م رئيس جمهورية تتارستان - التابعة لروسيا - منتيمير شايمييف جائزة الملك فيصل العالمية لجهوده في خدمة الإسلام . وضمن التعاون الثقافي السعودي الروسي، استضاف متحف "الأرميتاج" في مدينة سانت بطرسبورج الروسية الذي يعد من أضخم وأقدم المتاحف في العالم، خلال الفترة من 16 مايو إلى 14 سبتمبر عام 2011م معرض "روائع الآثار في المملكة العربية السعودية عبر العصور" محتويًا على (347) قطعة أثرية تعبر عن الحضارات القديمة التي عاشت على أرض المملكة، وبلغ عدد زواره أكثر من 530 ألف زائر وزائرة في خطوة غير مسبوقة في تاريخ المتحف بحسب قول رئيسة قسم الدراسات الشرقية بمتحف الأرميتاج الروسي نتاليا كوزولوفا، حيث أكدت أن المتحف لم يسبق أن استضاف في تاريخه معرضًا بهذا الحجم عن آثار الجزيرة العربية. وشاركت وزارة الثقافة والإعلام في المعرض من خلال عرض أفلام وثائقية عن المملكة، وبمعرض إعلامي مصغر يحوي كتبا إعلامية عن المملكة وصورًا تحكي ماضي المملكة وحاضرها، بينما قدمت الفرق الشعبية ألوانًا فلكلورية من مختلف مناطق المملكة. وفي المجال الرياضي جرى في 29 مايو عام 2006م في موسكو التوقيع على برنامج التبادل الرياضي بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب ( الهيئة العامة للرياضة حاليًا) والوكالة الفيدرالية للتربية والرياضة في روسيا، في حين تنتظر روسيا خلال عام 2018م وصول بعثة المنتخب السعودي الأول لكرة القدم للمشاركة في بطولة كأس العالم. وفي إطار أهمية العلاقات السعودية الروسية، أطلقت وكالة الأنباء السعودية في نهاية عام 2015م خدمة إخبارية جديدة عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، وهي بث أخبار المملكة العربية السعودية باللغة الروسية بغية اطلاع الشعب الروسي الصديق على كل ما يخص المملكة من أخبار وفعاليات محلية ودولية مدعومة بالصور الفوتوغرافية المتنوعة. وسعت "واس" عام 2016م إلى ترجمة رؤية المملكة 2030 إلى اللغة الروسية من أجل إتاحة الفرصة للجانب الروسي لقراءة مضامين الرؤية بلغتهم ومعرفة أبعادها التنموية التي تعد بمثابة خارطة اقتصادية طويلة المدى لمستقبل المملكة العربية السعودية نظير ما تحمله من برامج تنموية تسهم في نقل المملكة بعون الله تعالى من عالم الاعتماد على مصدر النفط إلى عالم تعدّد مصادر الاقتصاد الوطني. وتعد "واس" عضوًا فاعلًا في اتحاد وكالات الأنباء الدولية الذي يضم عددًا من أشهر وكالات الأنباء في العالم، واستضافت المملكة عام 2013م المؤتمر الدولي الرابع لاتحاد وكالات الأنباء الذي نظمته "واس" تحت عنوان "إعادة تشكيل وكالات الأنباء في القرن الواحد والعشرين"، ووقعت خلال المؤتمر مذكرة تعاون إخباري مع وكالة أنباء " إيتار تاس " الروسية تهدف إلى التعاون في مجال الأخبار والصور، وتطوير التعاون بين الوكالتين الذي كان قد بدأ عام 2003م.