مساء الثلاثاء الماضي كان مساءً سيُخلِّده تاريخ هذا الوطن المعطاء، وليلةً طال انتظارها من مجتمعنا بشكلٍ عام، ومن نسائه بشكلٍ خاص، كيف لا والأمر السامي الكريم الذي صدر فيها هو أمرٌ يخص نصف المجتمع، ويرتبط بإنهاء قضية طال انتظارها، وكثر الجدال حولها لسنينٍ طويلة، بل عقودٍ من الزمن، وكان من الممكن أن تبقى كذلك لعقودٍ أخرى مستقبلاً، لولا صدور ذلك الأمر التاريخي، والذي حسم القضية بشكلٍ نهائي. إعلان أمر خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- باعتماد تطبيق أحكام المرور ولائحته التنفيذية بما فيها إصدار رخص القيادة على الذكور والإناث على حدٍّ سواء؛ جاء في مضمونه العديد من الحيثيات المهمة، والتي قامت بتغطية كل جوانب هذه القضية، وحسمت النقاش فيها، فقد أشار إلى ما يترتب من سلبيات من عدم السماح للمرأة بقيادة المركبة، إضافة إلى الإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك، مع مراعاة تطبيق الضوابط الشرعية اللازمة والتقيد بها، كما أشار البيان إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفَّظ عليه تنصبُّ على اعتبارات تتعلَّق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعا من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه، كما تضمَّن البيان التأكيد بأن الدولة هي حارسة القيم الشرعية، وتعتبر المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها، سواء في هذا الأمر أو غيره، ولن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته. إضافةً إلى ما ورد في البيان من حيثياتٍ شرعية واجتماعية هامة، فإن التقارير الاقتصادية تشير إلى أن الأسر السعودية تنفق ما يزيد عن 25 مليار سنوياً رواتب للسائقين الأجانب، والذين يصل عددهم إلى قرابة 1.4 مليون سائق، كما أن هناك مصاريف أخرى كاستخراج التأشيرات تُقدَّر ب2.8 مليار ريال، واستخراج الإقامات تُقدَّر بحوالي مليار ريال، فضلاً عن مصروفات الغذاء والتذاكر وغيرها من مشاكل الهروب أو المرض أو عدم القدرة على العمل. الترحيب بهذا القرار التاريخي شمل الإطار المحلي، والذي أكد العديد من أفراد المجتمع فيه بأن عصر خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- الذي نعيشه اليوم هو عصر تمكين المرأة وتحقيق أحلامها، وهو عصر الإصلاح والتصحيح، وعصر الحزم والعزم والشجاعة في اتخاذ القرارات الحاسمة، كما أعربت عدة جهات دولية عن تقديرها وترحيبها بهذه الخطوة، والتي وصفتها بأنها إيجابية وفي الاتجاه الصحيح. الشكر لخادم الحرمين الشريفين ولولي عهده الأمين -حفظهما الله- على هذه الخطوة الإيجابية، والتي طال انتظارها، وإلى المزيد من الخطوات التطويرية المستقبلية، والتي تساهم في راحة ورخاء المواطن ونمو وتقدُّم هذا الوطن المعطاء.