جاء الأمر السامي الكريم القاضي بالسماح للنساء بقيادة السيارة ليضع حداً لمسألة اجتهادية بحتة أخذت وقتاً طويلاً من النقاش والآراء المجتمعية المتباينة على مدى سنوات طويلة، ليتدخل ولي الأمر في الوقت المناسب ويحسم هذا الخلاف وينهي الجدل الطويل حول هذه القضية التي التبس فيها المفهوم الشرعي بالاجتماعي بالعرف السائد. القرار التاريخي والمفصلي الذي أصدره خادم الحرمين -رعاه الله- جاء متواكباً تماماً مع متطلبات المرحلة، وتطورات الحياة، والحراك الإيجابي الذي تعيشه المملكة، ومنسجماً مع حاجة المرأة التي تمثل نصف المجتمع، لذا كان تصرف الراعي على الرعية منوطاً بالمصلحة التي نص عليها علماء الشريعة، إلى جانب مسؤوليته في رعاية مصالح شعبه الشرعية والاجتماعية والوطنية، وغيرها.. وقد أشار الملك -حفظه الله- إلى السلبيات التي تترتب من عدم السماح للمرأة بقيادة السيارة، والإيجابيات المتوخاة من السماح لها بذلك. الأمر اللافت في القرار والذي لا يقل أهمية عن السماح للسيدات بقيادة السيارة، ما أشار إليه الأمر السامي الكريم فيما يتعلق باعتبارات «سد الذرائع» أو ما يعرف ب»المصالح والمفاسد»، التي كثيراً ما عطّل سوء الفهم فيها أو في آلية تطبيقها قرارات إصلاحية تخدم حاجة المجتمع، نتيجة تصوير بعض المواقف بصور غير واقعية ومبالغ فيها.. لذا كان لزاماً أن يأتي الحسم والقرار الفصل في مثل هذه المواقف من أعلى سلطة في البلاد لهذه القاعدة التي لم يستند من ربطها بالقرار الأخير بأي نصوص شرعية بقدر ما كانت المسألة زيادة تحفظات وظنون وشكوك، حيث كان الأمر الكريم واضحاً وصريحاً في هذه المسألة حينما قال ما نصه:» إن الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأن مرئيات من تحفظ عليه تنصب على اعتبارات تتعلق بسد الذرائع المحتملة التي لا تصل ليقين ولا غلبة ظن، وأنهم لا يرون مانعاً من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه». هذه الخطوة الإيجابية وهذا القرار الطبيعي الذي كان متوقعاً منذ فترة وغير إلزامي لمن لا يرغب، ينبغي أن تكون نقطة تحول في مسألة «سد الذرائع» لإزالة التحفظات والفرضيات -حتى وإن كانت بحسن نية، وهي كذلك، وفي إطار الحرص على حماية المجتمع- التي يذهب إليها البعض في أي موقف أو رأي قد يكون بسببه تعطيل قرار نافع للمجتمع، طالما أن الأمر لا يتعارض مع الشريعة وأحكامها، وفي ظل ضمانة الدولة عبر أجهزتها المختلفة ومسؤولياتها في حفظ النظام العام وصون المجتمع، ولنكون أكثر صراحة في التعامل مع تلك الممارسات الخاطئة تجاه حقوق كفلها الإسلام للمرأة أو لأي فرد من أفراد المجتمع، وقد شدد الأمر السامي الكريم في هذا القرار على أن الدولة هي بعون الله حارسة القيم الشرعية، وأنها كما ذكر الأمر السامي تعتبر المحافظة عليها ورعايتها في قائمة أولوياتها سواء في هذا الأمر أو غيره، والتأكيد كذلك على أن الدولة لن تتوانى في اتخاذ كل ما من شأنه الحفاظ على أمن المجتمع وسلامته. بقي الدور الأكبر والمهم الآن على اللجنة العليا التي شكّلت من وزارات (الداخلية، والمالية، والعمل والتنمية الاجتماعية)؛ لدراسة الترتيبات اللازمة لإنفاذ القرار، والرفع بتوصياتها للمقام السامي، قبل تاريخ تنفيذ القرار في 10 / 10 / 1439 ه، والمطلوب أيضاً تكاتف وتشارك كل الجهات ذات العلاقة بتطبيق القرار سواء في اللجنة أو خارجها وأن تسعى لوضع التصورات والآليات المناسبة التي يتطلبها القرار السامي، وتعمل جميعاً على إنجاح هذه الخطوة وتذليل أي صعوبات أمامها. * مدير التحرير