مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكَ فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيْعَ أَمِْرَك حكمة من حِكَم الإمام الشافعي -رحمه الله-، تطلب منَّا الاعتماد على الذات، وعدم الاتِّكال على الآخرين في حلِّ ما قد يعترضنا من مشكلات وصعوبات في تدبير أمور حياتنا ومعاشنا وتعاملنا مع الآخرين. هذا لا يلغي الاستشارة ممن عُرفَ عنهم رجاحة العقل والخبرة في أمور الدين والدنيا، والصدق في تقديم الرأي الصائب. وما ينطبق على الفرد ينطبق على الوطن إذا ما تعرَّض لمحنة من الدخلاء وطمع الطامعين في خيراته وثرواته، ومن الحاقدين على ما أكرم الله مواطنيه من درجة رفيعة ومقدَّسة كما هو حال فلسطين ودرَّتها القدس الشريف. هذه الأرض المباركة والمقدَّسة في جميع الديانات الإبراهيميَّة، وإليها كان مسرى نبيِّنا الكريم ذات ليلة من مكَّة المكرَّمة. وفي كنيستها أعطى خليفة خليفة رسول الله سيِّدنا عمر بن الخطَّاب العهد (العُهدة العمريَّة) في كتاب لأهل إيلياء- القدس، لمَّا فتحها المسلمون عام 638 للميلاد. أمَّنهم فيها على كنائسهم وممتلكاتهم. وقد اعتبرت العهدة العمريَّة واحدة من أهم الوثائق في تاريخ القدسوفلسطين. وأقدم الوثائق في تنظيم العلاقة بين الأديان. وأثبتت فعَّاليَّتها في توطيد أواصر المواطنة بين أتباع الديانتين المسيحيَّة والإسلام من الفلسطينيِّين وعرب المشرق والمغرب. وكوَّنت نسيجًا اجتماعيًّا متماسكًا لا مثيل له في التاريخ، حتَّى في أحلك الظروف، لمَّا تعرَّضت الأرض المقدَّسة لغزوات همجيَّة بربريَّة. وكان آخرها غزو الصهاينة فلسطين العربيَّة وبدء تهويدها وتصفية الوجود الفلسطيني فوق ترابها المقدَّس. توالت الانتفاضات الفلسطينيَّة كلَّما تمادى الصهاينة في عدوانهم، وتخاذلت القوى المتحكِّمة في إدارة المجتمع الدولي على إجبارهم للامتثال لقراراتها الداعية إلى إنهاء الاحتلال ورفع قيود الأسر عن القدس الشريف. وفِي ضوء ما تتعرَّض له المدينة المقدَّسة هذه الأيَّام من عنجهيَّة صهيونيَّة تمثَّلت في الحصار التام للمدينة، ومنع المسلمين من أداء صلاة الجمعة. وهي المرَّة الأولى التي يحول الصهاينة بين المسلمين وبين صلاتهم في قبلتهم الأولى وثالث الحرمين الشريفين. ومنذ أن عملت الأمم المتَّحدة على رفع علم ما يسمَّى بدولة إسرائيل فوق كامل التراب الفلسطيني عام 1948. وممَّا زاد الطين بلَّة قيام الصهاينة مؤخَّرا بوضع الأجهزة الإلكترونيَّة والبوَّابات الذكيَّة حول الحرم الشريف لتقييد حركة الفلسطينيَّين والتحكُّم بدخول المصلِّين للحرم الشريفين لأداء صلواتهم وممارسة طقوس عبادتهم. وكعادتهم في الانتفاضات السابقة، فقد أخذ الفلسطينيُّون المبادرة في التصدِّي لهذه العنجهيَّة، غير مبالين بالدم الذي سيبذلونه في سبيل حريَّة بيت المقدس. وحريَّته مقدِّمة لتحرير فلسطين. فللحريَّة الحمراء باب بكلِّ يدٍ مضرَّجةٍ يُدَقُّ. وَمَنْ سَوَى الأَحْرَار للذيادِ عن أقدس ما في القدس يردِّدُ: وَمَنْ يَسْقِي وَيَشْرَبُ بِالمَنَايَا إِذَا الأَحْرَارُ لَمْ يُسْقُوا وَيَسْقُوا!