* تعرضنا في المقالة السابقة لما تضمنته بعض الكتب الدينية اليهودية والمعتمدة على فرضية تعامل اليهودي مع الآخر -أي المختلف عنه دينًا وسلوكًا- وأنها تحرِّضه على استئصال الأمم التي يواجهها كما هو وارد في الإصحاح، ومعلوم أن بني إسرائيل حرَّفوا التوراة كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في أكثر من موضع . * ويجدر بنا أن ندوِّن شهادات موضوعية وصادقة عن تعامل المسلمين مع الآخر، ومن ذلك أنه عندما وصل الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أرض فلسطين لتسلمها حسب رغبة بطريرك القدس -آنذاك- صفرونيوس، فدعاه هذا الأخير لتفقد كنيسة القيامة فلبى الدعوة، وأدركت الصلاة الخليفة عمر وهو في الكنيسة، فالتفت إلى البطريرك وقال له: أين أصلي؟ فقال مكانك صلِّ.. فقال ما كان لعمر أن يصلي في كنيسة القيامة فيأتي المسلمون من بعدي ويقولون هنا صلى عمر ويبنون عليه مسجدًا..وابتعد عنها رمية حجر وفرَش عباءته وصلى، وجاء المسلمون من بعده وبنوا على مصلاه، وسأل سيدنا عمر عن موضع المسجد الأقصى فوجده مغمورًا بالقمامة، ففرش رضي الله عنه عباءته وأخذ ينزح فيها القمامة من مكان المسجد الأقصى ويلقيها في الأودية،حتى طهَّر ومن معه من المسلمين المكان وبنى عليه مسجدًا. وقد أورد القصة موثقة الباحث ظفر الإسلام خان في كتابه القيم (تاريخ فلسطين القديم)، ثم خاطب الخليفة عمر أهل إيلياء -القدس-، ونجتزئ اليسير من ذلك حيث قال رضي الله عنه: «هذا ما أعطى عبدالله عمر.. أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وأنه لا تسكن كنائسهم ولا تُهدم ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم. * كما يذكر الباحث الغربي Adolph Wismar في دراسته القيمة بالإنجليزية عن التسامح الديني في الإسلام والموسومة ب: A study of Tolerance practised, by Muhammed and his successors، new york, 1972, P . 80. يذكر ويزمار Wismar بأن اليهود كانوا يلقون اضطهادًا من الدولة البيزنطية، فلما أخذ العرب يفتحون بلاد الشام جعل اليهود يرحبون بهم استبشارًا بالنجاة من نير بيزنطة، ويشير بعض الباحثين أن العُهدة العمرية تعد أحسن معاهدة في التاريخ للتعامل بين شعب غالب وآخر مغلوب. ولقد سار سيدنا عمر -رضي الله عنه- على نهج سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعده خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه في الإحسان إلى أهل الديانات الأخرى وحقن دمائهم، حيث أوصى سيدنا أبو بكر قواده في الأمصار بهذه الوصية: «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا أطفالًا ولا شيخًا كبيرًا، ولا تعقروا نخلًا ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لما أُكل، وسوف تمرون بأناس قد فرّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرّغوا أنفسهم له». وهي وصية -كما يذكر الباحث خان- لا مثيل لها في قوانين الحرب لدى أية دولة وفي أي عصر ما عدا التاريخ الإسلامي. * ويتساءل المرء أين مؤسساتنا الدينية والعلمية في عالمنا العربي والإسلامي عن مثل هذه النصوص التوجيهية؟.. ولا يمكن أن يكون هناك أي لقاء بين هذه النصوص المضيئة وبين بربرية داعش والقاعدة وطالبان وبوكو حرام وسواها من الحركات المتطرفة.