* كنتُ أتوقع أن هيمنة اللغة الإنجليزية وفوضى العامية تسيطر (فقط) على أسماء المؤسسات والمحلات التجارية في المُدن الكبرى، ولكن زيارتي قبل أسبوع لبعض محافظاتالقصيم وقُرَاها كَشَفت لي أن ذلك الوباء قَد عَمّ! * يحدث هذا الإقصاء ل (اللغة العربية) علانية وجَهَاراً نهاراً، وبتراخيص تمنحها الأمانات والبلديات والتجارة، في ظِل صمت رهيب وعجيب من المؤسسات اللغوية. * تلك صورة من التهديدات التي تواجه (لُغتنَا)، التي يضاف لها رفع صوت ورايات اللهجات العاميّة، والمفردات الأجنبية في الحياة اليومية، وفي وسائل الإعلام المختلفة التقليدية والحديثة، وكذلك في الإعلانات وبعض المؤتمرات والندوات، وقبل ذلك الضعف اللغوي الذي يضرب أطنابه في المجتمع، الذي لم تسلم منه مدارسنا وجامعاتنا. *وهنا (اللغة) هوية وعنوان لكل إنسان ومجتمع، يقول الفيلسوف الألماني مارتن هايدغَر: (إنّ لغتي هي مسكني، هي موطني ومستقري، هي حدود عالمي الحميم ومعالمه وتضاريسه، ومن خلال نوافذها وعيونها أنظر إلى بقية أرجاء الكون الواسع ... وأنَا مَا أقُول ...)، والرئيس الفرنسي شَارل ديجول: يؤكّد (لقد صنعت لنا اللغة الفرنسية ما لم تصنعه الجيوش..)، بينما يقول (الدكتور عبدالله البريدي) في كتابه الرائع (اللغة هوية ناطقة): أنا من المُقِرين بضخامة تأثير اللغة بحياتنا من حيث نشعر أو لانشعر، ويضيف: وأنا من المؤمنين بأنّ المجتمعات تَنْحَطّ مع لغاتها وبلغاتها...). * و(اللغة العربية) هي لغة القرآن الكريم، التي يتحدث بها أكثر من (430 مليون نسمة)، (ونعم هي محفوظة بحفظ كتاب الله تعالى)، ولكنها تعاني على ألسِنَة أبنائها، وفي بيئتهم المجتمعية والثقافية؛ بما يمكن تسميته ب (الرِّدّة اللغويّة) كما أشار (الدكتور البريدي)! * ولذا هذا نداء لمعالجة هذا الوضع من خلال قرارات تفرض (العربية) في ميدان المسميات التجارية وفي المؤتمرات، وكذا إطلاق برامج تدريبية وتوعوية لمختلف الشرائح، مستفيدة من التقنية الحديثة. *أخيراً (مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية)، مشروع رائد؛ وله جهود كبيرة لكني أراه يُركز بصورة كبيرة على الخارج؛ فلعله يلتفتُ للداخل، وينشط بالفعاليات والبرامج التطبيقية الفاعِلَة.