خطاب أمير قطر الأول من بداية الأزمة مع الدول الأربع أتى متأخراً وغير مكتمل وتكراراً لما حصل في الماضي في بعض جوانبه وكأنه يريد أن يموِّه على الرأي العام في داخل قطر وخارجها بتكرار المكرَّر. والعاقل يدرك أنه لايمكن لأربع دول عربية أن تتفق في السر وتقطع علاقاتها مع إمارة صغيرة بحجم قطر بدون أسباب تبرر تلك المقاطعة التي لم تكن الأولى حيث سبقها قطع علاقات ومحاولات ثنائية وتوقيع اتفاق تحت قبة مجلس التعاون الخليجي مع إمارة قطر تحمل نفس المحاذير من خطورة النهج السياسي الذي تتبعه والذي يلحق أضراراً بأمن واستقرار المنطقة. وقد سبق الخطاب توقيع وثيقة تفاهم بين قطر والولايات المتحدةالامريكية تحمل نفس مضمون مطالب المقاطعة فيما يتعلق بالإرهاب وفي ذلك اعتراف ضمني أن قطر ضليعة في مخالفات استوجبت المقاطعة والمحاذير الدولية من تصرفاتها ، وقد كان بالإمكان تلافي كل ذلك بالاستماع لصوت العقل داخل البيت الخليجي ومن خلال توسط أميرالكويت الذي بذل جهوداً جبارة وأخيرا تقفز قطر وتحاول تجاهل تلك الجهود الصادقة غير المشروطة كما هو الحال مع وثيقة تيلرسون واللجوء لتركيا وإيران. الإعلان القطري الذي سبق الخطاب به تفاصيل أكثر تدور حول مطالب الدول الأربع ولا تعترف علناً بالعلاقة بينها. والسؤال هل المقصد من الخطاب أن قطر ستنفذ كل ما ورد في وثيقة التفاهم مع وزير خارجية أمريكا وأن الوساطة الكويتية لم يعد لها دور؟ وهل تتوقع حكومة قطر أن المياه ستعود إلى مجاريها بدون تعهدات بتلبية المطالب التي سببت المقاطعة ويصحب ذلك تعهدات بالتنفيذ وعدم العودة للممارسات السابقة؟ أم أن العملية مجرد مناورة سياسية لكسب الوقت وتعود الممارسات كما كانت عليه؟. والواقع إن العمل السياسي الجماعي يعتمد على الثقة وخاصة عندما يتعلق بالأمن والاستقرار والدخول في عمليات أمنية مشتركة وعندما تهتز الثقة فإن استعادتها ستكون صعبة للغاية في ظل ما حصل من قطر داخل مجلس التعاون الخليجي أياً كانت درجة الخطورة التي ترتبت على عدم الثقة بين الأعضاء. وحسن الجوار ،والثقة المتبادلة ليست مجرد مزحة أو لعبة أطفال تحصل اليوم وتُنسى غداً. ومفهوم السيادة الذي تتعلل به حكومة قطر له ضوابط ومعايير تحكم العلاقات الدولية ،والتدخل في شؤون الغير بطرق مباشرة وغير مباشرة يخل بقواعد التمتع بالسيادة المطلقة التي تتحدث عنها قطر. وكما هو واضح من خطاب الشيخ تميم بأن آثار المقاطعة بدأت تؤثر على قطر التي تُعِد لكأس العالم ، وما لم تدرك حقاً أنها بحاجة لجوارها العربي فإن كل الكلام المنمق المعد من قبل خبراء ينقصهم الحس الدبلوماسي الفعال الذي يتطلبه الموقف للتغلب على الحالة القطرية التي أخذت طابع الاستمرار في طريق زعزعة الثقة مع جيرانها والرهان على المجهول والابتعاد عن الاعتراف بضرورات التعايش مع دول الجوار التي لا تريد للشعب القطري إلا كل الخير والأمن والاستقرار والازدهار وتبادل المصالح المشتركة بكل وضوح وشفافية.