إذا كان ابن بطوطة وابن فضلان، وغيرهما من الرحالة والمستكشفين العرب الأوائل، الذين جابوا العالم شرقًا وغربًا وسجلوا انطباعاتهم ومشاهداتهم في أسفارهم، التي ألفوها منذ قرون وما زالت تحظى باهتمام الباحثين.. فإن الرحالة السعودي أمين غبرة قد خطا خطوات أبعد من مجرد تسجيل الانطباعات عن حياة الشعوب وغرائب عاداتها، حيث كان محور اهتمامه، فيما يمكن أن يطلق عليه التخصص في آداب الرحلات فقد كرس تركيزه على رصد توثيقي لأقدم المساجد وأغربها في مشارق الأرض ومغاربها.. عبر رحلة امتدت 40 عامًا.. فإلى الحلقة الثامنة من سلسلة أحاديثه الشيقة.. مدينة المآذن ويواصل الرحالة السعودي حديثه قائلًا: مسجد (آيا صوفيا) والمسجد «الأزرق» هما أشهر مسجدين في تركيا ولهذا جلست أفكر على مدى يومين عن أيهما أختار للكتابة عنه، حيث صنفت مدينة إسطنبول كأكثر المدن اكتظاظا بمآذن المساجد فلا يخلو أي مسجد فيها عن مئذنتين أو أربع مآذن والقليل جدًا تجده بمئذنة واحدة ولمدينة إسطنبول عدة أسماء منها (بيزنطة والقسطنطينية والأسِتانة وإسطنبول) . 10 آلاف مصل جامع السلطان أحمد، أو كما يسمى بالجامع الأزرق، سمي بهذا الاسم نسبة إلى الخزف الأزرق المستخدم في بنائه الذي أحضر من مدينة إيزيك التركية، وكذلك النقوش الزرقاء التي زيّنت قبابه وقد تمّ بناء المسجد الأزرق في عهد السلطان أحمد الأول عام 1606 ميلادي واستمر بناؤه ثماني سنوات، أما الشكل الهندسي للمسجد فهناك قبة رئيسية يصل طول قطرها إلى ثلاثة وعشرين مترًا ونصف المتر ويبلغ ارتفاعها ثلاثة وثلاثين مترًا، وفي داخل المسجد يوجد عشرون ألف عامود مصنوع من السيراميك ولهذا يحتوي المسجد على 260 نافذة ويضم قبابًا فرعية وست مآذن، ومن الداخل تزين الآيات قرآنية جدرانه، ويحتوي المسجد على ضريح السلطان أحمد، ويتسع المصلى إلى 10.000 مصلٍ. الأذان مشترك في مسجدين في عام 1991 م دشنت تركيا مسجد قصر (هونكار) المتصل بآيا صوفيا، والذي شيّده السلطان العثماني محمود الأول، حيث اعتمدت السلطات التركية منذ ذلك الوقت على مؤذن جامع السلطان أحمد في المنطقة ذاتها لرفع الأذان المشترك بين المسجدين فتسمع كلا المسجدين يتناوبان على الأذان واحدًا تلو الآخر في تتابع جميل حتى ينتهي الأذان. يصل أعداد المصلين في الأيام العادية إلى 100 مصلٍّ وإلى 300 في يوم الجمعة . مسجد أياصوفيا ويضيف أمين: يعد مسجد أيا صوفيا أنموذجًا امتزجت فيه العمارة البيزنطية مع العمارة الإسلامية العثمانية وأصبح الزائر إليها يلاحظ هذا التمازج. بنيت كاتدرائية آيا صوفيا في ظل الإمبراطورية البيزنطية المسيحية في القرن السادس وشهدت تتويج الأباطرة البيزنطيين قبل تحويلها مع الفتح العثماني للقسطنطينية في 1453 إلى مسجد وإضافة مآذن حول قبتها البيزنطية، ولهذ الكيان قصة، فقد كان مبنى آيا صوفيا على مدار 916 عامًا كاتدرائية ولمدة 481 عامًا مسجدًا، قام ببناء الكاتدرائية الامبراطور (جستنيان الأول البيزنطي سنة 537)، وقد غير السلطان محمد الفاتح المبنى ليكون مسجدًا ذي أربع مآذن، وذلك في عام 1453 ميلادي وأضاف إليه منارة، ثم أضيف إليه منارة أخرى زمن السلطان بايزيد الثاني، وقد كان أيا صوفيا مسجدًا لمدة 481 سنة ليحوله أتاتورك إلى متحف سنة 1934م.