بأسلوب التساؤل بدأ .. وبفن السجع أبحر .. وبقصائد الأمس والحاضر استشهد .. وبعيداً عن الأناء .. اطلق للتجربة العنان .. تلك التجربة التي لم ترتدِ ثوب القصة .. أو تدثر ببردة الرواية .. بل تجربته إنسانية .. كُتبت بإحساس شاعر .. وخبرة رجل دولة .. سرد رحلته من الميلاد إلى الكهولة .. متطرقاً إلى الشخوص المؤثرة .. والبيئة المُشكّلة .. والظروف حُلوها ومُرها .. تجاربٌ مسنودةٌ بكل العوامل التي أقحمته في ميادين التحدي .. ودفعته لخوض غمار التجربة . تلك عناوين عريضة لكتاب مستشار خادم الحرمين الشريفين ، أمير منطقة مكةالمكرمة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ، الذي يحمل عنوان « إن لم ... فمن ..!؟ .. الكتاب الذي صدر حديثا .. وفي دور النشر حط رحاله.. ناثراً على صفحاته أدوات الاستفهام ؟ تلك الأدوات التي تُعمل العقل .. فعمد «المؤلف» إلى طرح الاستفهامات التي تتسأل عن المعنى في الحياة .. وعن الحكمة في القرار .. وعن القيم في المجتمعات .. ليحفّز بذلك .. فن التأمل الجوهري للنفس البشرية .. ودافعها للاسكتشاف . لماذا ؟ في البداية .. وتحت لماذا ؟ برر الفيصل سبب الكتابة .. فتبرأ من تدوين مذاكرته أو تجربة شخصية .. ونفى أن يكون الحديث عن سيرة ذاتية .. بل أقرّ بأنه ومضات من مراحل الزمن .. التي لم يخترها بل اختارته .. وحكى عن مستقبل لم يرسمه بريشة الفنان .. بل كانت تحديات وجب عليه تخطيها .. فكان لزاماً عليه الوقوف منازلة الصعاب .. وترويض جموحها .. والاستمتاع بهزيمتها .. ولسان حاله يقول «أحب أعسف المهرة اللي تغلا .. وأحب أروض كل طرفٍ يموقي». بأسلوب السجع والازدواج .. وسلاسة اللغة .. كتب الفيصل تأملات مواطن.. صقل الإخفاقُ والخطأُ والاستعجالُ تجربته .. ف عاش حياة الأطفال .. بشموخ الكبار .. وامتطى صهوة الخيل فارساً .. ومارس الكرة لاعباً .. وحمل الصقر على ساعده صياداً .. كتب بلغة .. مواطنٍ ترجم الإحساس شعراً .. وطوّع بحور الكلمات قصائداً .. ولم يكتف بذلك .. بل تكاثفت غيمات الألوان في ريشته .. فأمطرت صوراً من نور وظلال .. ولأن الفيصل نبتة هذه الأرض .. ومواطن هذا الوطن .. .. قال واصفاً « أصلي أنا بيتي شعر والبر هو ديرة هلي « ، ولأنه لم يكتب عن شخصه.. أنكر ذاته ليبلغ الغايات .. فاستعرض كيف عانق السعودي السماء .. كيف سمى في حقول العلم والمعرفة والتقنية .. وكيف أصبح جيش السيف والخيل .. صقوراً في الجو .. وأسوداً في البر .. وموجاً في البحر مُهلك .. ولنبدأ مع الفيصل رحلة التأملات في كتاب « إن لم ... فمن ..!؟ ذا ال 215 صفحة .. فقد جاء ميلاد « المؤلف « قبل نحو 8 عقود .. كانت الصرخة الأولى .. إيذانا له بالخروج من رحم السكون إلى عالم التحديات .. وأقدس البقاع على وجه الكوكب كانت له مهداً .. تلك البقعة التي لم يدر بخلد « خالد» .. - الذي أسماه جده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه - أنه سيكون لها أميراً .. والتي تغنى فيها شعراً .. فقال : ترى لي الشرف صرت ابن مكة ولد فيها نبي الله طه يظللني من الكعبة كرامه وروحي تقطع بزمزم ظماها الغربة الأولى .. انفصال وعودة وفي محطة الغربة الأولى .. بدأت تفاصيل « إن لم ... فمن ..!؟.. التي شهدت باكورة لبنات التحوّل والتشكُّل .. فعند عمر السنتين .. انفصلت والدة خالد الفيصل - يرحمها الله- عن والده .. فكانت الأحساء ل هيا بنت تركي بن عبدالعزيز بن عبدالله، وله ولشقيقه سعد الفيصل يرحمه الله وجهة .. فانتقل برفقتها إلى معقل الحزم والصرامة ، يسترجع «المؤلف « شريط تلك الحقبة : « أتذكر مجالس الأمير سعود .. والهيبة كأنها الطير على رؤوس الجالسين .. تتفادى عينه نظرة الناظرين .. وتتلعثم ألسنة الجالسين « ، هناك .. نهل «خالد» عدل الحكمة وقوة الهمة .. وفصاحة الكلمة .. لكنّ التحوّل الأكثر تأثيراً .. كان في سن السادسة.. حيث حطّت في الأحساء طائرة .. ترجل منها رجلان .. فكانت أول مرة .. يرى فيها جده المؤسس .. ووالده فيصل – يرحمهما الله - .. ذلك الموقف بقي راسخاً في عقل «الكاتب» .. ف رُغم تقادم السنين .. إلا أن المشهد لا يزال في الوجدان باقٍ .. وأدق التفاصيل لا تزال في الذهن حاضرة .. يروي الأمير خالد الفيصل الصفات التي عرف بها جده : « شامخ القامة ، رفيع الهامة .. في وجهه صرامة وفي شفتيه ابتسامة .. وفي نظرته شجاعة وشهامة .. ذلك هو جدّي الملك .. إذن .. «. وعن لقائه الأول مع الفيصل .. تحدث بحميمه .. بنبرة حانية .. وكأن للكلمات أعينٌ تترقرق بالدمع .. تحدث عن زهو ابتسامته .. وعن أول مره يرفض له طلباً .. تحدث عن الكثير من مشاعر الحب والود .. إلا أن ما علق بالذاكرة .. شوق ولهفة لم تدم طويلا .. فبعبارة الملك عبدالعزيز للأمير سعود بن جلوي : « ياسعود ترى فيصل يبي عياله « .. انتهت رحلة الأميرة هيا والأمير خالد الفيصل وشقيقه سعد في الأحساء .. لتحط الرحال في الرياض التي كانت حينها حبيسة أسوارها .. تلك العودة كانت حافلة بالمفاجآت .. وزاخرة بالأحداث .. ولعل الأبرز صدمة كيس الجنيهات .. والمدرسة التي تعرفا فيها على أبناء العمومة. لا تزال فصول الغربة الأولى حُبلى بالذكريات والمشاعر المتخلفة .. ففي جدة كان اللقاء الأول بالأخوة محمد وعبدالله .. وقبل التحرّك لقصر الملك فيصل في مكة .. كان الوقوف برهة للسلام على الأميرة عفت الثنيان والدة اخوة خالد .. ثم في مكة والمشاعر رأى والده .. يؤدي منسك الحج .. ويمارس مهام عمله .. خادماً لأطهر بقعة .. أخيراً .. وقبل أن تنطوي آخر صفحات الغربة الأولى من الكتاب.. لا بد من الوقوف على ملمح شكّل شخصية الأمير خالد الفيصل .. موقفٌ كان بطله حسين بن عبيد الرجل الذي كلفه الملك فيصل بمرافقته وشقيقه سعد إلى الأحساء .. يروي «المؤلف» حدثاً يحمل من المعاني الكثير .. يقول : « كان كلما رآني العب مع الأطفال ينهرني ويقول بلهجته : نبيك مثل أبوك تشد وتنزل .. وانت تبي تلعب مع البزران ؟! « ذلك النهر المختوم بالتساؤل أزعج الفيصل صغيراً .. لكنه أفاده كبيرا .. الغربة الثانية .. خيبات وطموح على أعتاب هذا الجزء من « إن لم ... فمن ..!؟ استرجع الأمير خالد الفيصل تأثير والده .. وبُعد نظره .. كيف لا .. وهو اليافع الذي اختاره الملك عبدالعزيز يرحمه الله في سن الثالثة عشر من العمر .. على رأس وفد إلى بريطانيا وفرنسا .. تحدث «المؤلف « عن الخبرات التي صقلتها التجارب .. ونشأة الملك فيصل في بيت جده لأمه .. كبير العلماء ومفتي البلاد حينها .. استعرض المناصب التي تقلدها .. وجلعت منه قائداً فذاً .. وفارساً شجاعاً .. تطرق إلى فكره المستشرف للمستقبل والذي دفعه لإنشاء المدرسة النموذجية في الطائف .. فانخرط فيها « خالد « .. ونال قصب السبق بين أقرانه فحصل على الشهادة الثانوية .. لتتفجر الأحلام التي ما لبثت أن اصطدمت بمفاجآت الحياة وصدمات الواقع . حمل الأمير خالد الفيصل أحلامه وانطلق بها إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية .. وهناك كانت الرحلة مليئة بالشخصيات التي أثرت فيه .. كانت زاخرة بالمواقف والخيبات إن جاز التعبير .. يتذكر أنه كان لاعب كرة قدم ماهر .. لكن رحلته تلك التي أخذت من عمره أربع سنين .. انتهت بمفاجأة .. فقد تاهت الأحلام بين اللعب والجد .. لم يتحمّل البقاء .. فقرر الانسحاب .. وحزم الحقائب عائداً إلى المملكة .. يذكر أن أحد مدرسيه في النموذجية وبّخه قائلا « إخس .. كسفتنا الله يكسفك .. ضيعت أربع سنين صايع في أمريكا « ، عاد إلى المملكة وكان رد الملك فيصل الصمت .. الصمت الذي كان وقوداً أشعل عزيمة خالد من جديد فغادر إلى لندن .. التي واجه فيها مصاعب التعامل وصعوبة التعايش .. إلا أنه كان أكثر إصراراً على الإنجاز. بعد عامين من الدراسة في لندن تزوج خالد الأميرة العنود بنت عبدالله التي قال عنها « رافقتني العمر .. شاباً ورجلاً وشيخاً .. لقد وطنتني بعد غربتي .. وساعدتني على ظروف الحياة وصاحبتني في الرخاء والشدة « .. هنا تحدث الأمير عن الأسرة .. عن الأبناء والأحفاد .. رعاية الشباب .. وبكاء الطنطاوي لم يتحمّس الأمير خالد الفيصل لمنصب مدير رعاية الشباب .. فقد خشي ردة فعل والده .. إلا أن وزير العمل والشؤون الاجتماعية الشيخ عبدالرحمن أبا الخيل والوكيل المساعد للشؤون الاجتماعية عبدالعزيز الثنيان اقترحا عليه الوظيفة وعادا من الملك فيصل بالموافقة .. وفي أول تمثيل خارجي لمدير رعاية الشباب الجديد .. جاءت لحظة التصويت على قرار .. فما كان منه إلا رفع يده معترضاً .. اعترض على ضم إسرائيل لدورات الألعاب الأولمبية .. ذلك الاعتراض صاحبه في البداية تصفيق .. وكانت النهاية عدم قبول إسرائيل .. عاصر « المؤلف» بدايات ملاعب كرة القدم الترابية .. ودونية النظرة للعبة.. وبعد عدة أعوام حدث التحوّل الجذري فأصبحت الأندية فاعلة .. في رعاية الشباب تحدث عن الموقف الذي جمعه بالشيخ الطنطاوي يرحمه الله .. ولماذا بكى الأخير ؟ّ! .. تحدث أيضا عن جسور التواصل التي مدَها مع صحفيين أصبحوا فيما بعد رؤساء تحرير مثل خالد المالك وهاشم عبده هاشم وغيرهم .. تحدث عن علاقته برؤساء الأندية الأمير عبدالرحمن بن سعود ، وعبدالرحمن بن سعيد ، و عبدالحميد مشخص وغيرهم وقال عنهم « أشهد أنهم قدموا كل ما في وسعهم للنهوض بالأندية .. وكرة القدم بالذات « .. استعرض الفيصل في هذه الزاوية أيضا .. إقامة أسبوع الإخاء .. الهادف لتعارف الشباب العربي .. ومنتخبات المناطق .. ودورة الخليج التي كان عرابها .. وكيف بدأت بمباراة بين منتخب البحرين ومنتخبات المناطق ... وختم الحديث بسرد قصة اعتذار إيران عن استقبال المنتخب السعودي في طهران.. وكيف تنبأ الملك فيصل يرحمه الله بذلك .. الإمارة مسؤولية وأمانه .. لم يشأ الأمير خالد الفيصل أن يسرد تفاصيل انتهاء علاقته برعاية الشباب وتوليه إمارة منطقة عسير دون أن يعرّج على تاريخ الإمارة منذ فجر الإسلام .. وكيف أنها إرث ونظام إسلامي ضارب في جذور التاريخ .. ثم تطرق إلى أول نظام للأمراء عام 1359ه .. وقال عن الإمارة في معرض حديثه : « الإمارة سلطة .. ولكنها ليست سلطة على المواطن .. إنما سلطة في يده كي يأخذ حقه .. الإمارة تُنشأ .. والأمير يُعيّن لخدمة المواطن والوطن «. ومن واقع خبرة امتدت لزهاء خمسة عقود تحدّت خالد الفيصل .. عن مواصفات أمير المنطقة الواجب عليه التحلي بها فقال « على الأمير أن يكون ملماً بالنظام الأساسي للحكم .. ونظام المناطق وتاريخ الدولة .. وأن تكون ثقافته إسلامية .. ولديه خلفية عن الأوضاع الاجتماعية والعادات والتقاليد القبلية وتوجهات ومتطلبات المجتمع المدني .. وأن تكون لديه شخصية قيادية «. عسير .. أطع أعمامك في أحد أيام شهر صفر من العام 1391ه رن جرس الهاتف .. على الطرف الآخر محمد العبدالله الفيصل تارة .. والملك خالد بن عبدالعزيز آخرى .. وثالثة الأمير سلمان بن عبدالعزيز – حين كان أميرا للرياض .. جميع تلك الاتصالات كانت تزف خبر تعيينه أميراً لعسير .. وكان اللقاء بالملك فهد بن عبدالعزيز يرحمه الله خارطة الطريق التي انطلق منها للتنمية .. لكن الفيصل أبى إلا أن يكون لوالده كلمه .. فحرص أن يحصل منه على توجيه .. وأن يحظى منه بنصيحة .. فدار بينهما حوار : « قلت : بماذا توجهني يا سيدي ؟ قال : أمرك بيدك افعل ما تشاء « .. وبعد إصرار أعطى الملك فيصل لابنه الوصية .. التي كانت ولا تزال منهجاً أبى الأمير خالد الحياد عنه .. قال له « اطع أعمامك « .. ثم زاد قبل المغادرة إلى عسير « أوصيك بمخافة الله .. وإرضاء الضمير «. بتولي إمارة عسير أيقن « خالد « أن التحدي قدره الذي لم يطرق بابه .. ولكنّه لم يجد بُدَاً من مجابته يقول : يامدور الهين ترى الكايد أحلى اسأل مغني كايدات الطروقِ الزين غالي لكن الأزين أغلى والكل شرايِ بضاعه وسوقي النو عالي والسما فوقه أعلى لي فاق علم جاه علم يفوق وما أن حطّت أقدامه أرض عسير حتى نهل واستفاد من أولي الخبرة الذين كانوا معه فكان الشيخ إبراهيم بن عبدالعزيز آل إبراهيم وكيل إمارة عسير خير معين له ، وتطرق إلى زملائه الأمير فيصل بن بندر الذي تميّز بالجدية وإتقان العمل والأمير فيصل بن خالد صاحب المساهمات المادية في النشاطات الثقافية في عسير .. عقد « خالد « العزم على أنه لا عسير فيها .. تلك الفترة من حياته العملية شكّلت ملامح الأمير الريادي .. ورجل الدولة الإداري .. في عسير .. استفاد من مجالس الملك فيصل .. والأمير عبدالله الفيصل .. وقبلها مجالس الأمير سعود بن جلوي .. التي أكسبته الخبرة .. وبنت جسور الثقة بينه وبين قبائل عسير ..فكانت السبعة وثلاثون عاماً كفيلة بأن تشكله التجارب ويشكلها . كان للأمير خالد موعدٌ مع الجولات التفقدية على محافظات عسير وقراها والهجر للوقوف على احتياجات الأهالي وتحقيق مطالب التنمية .. توالت الخدمات والمشروعات .. وتعبّدت الطرق .. وأضاء فتيل الكهرباء .. منازل السراة وتهامة .. ووصلت مياه البحر لقمم جبال السروات .. طموحات التنمية في عقل الفيصل لم يكن له سقف .. ولعل من أبرز الشخصيات التي شجعته .. الأمير سلطان بن عبدالعزيز – يرحمه الله - الذي قال عنه « تتلمذت على يديه .. ومنه ومعه تعلمت أسرار فن التعامل مع الناس .. وكسب ثقتهم .. وتقدير مشاعرهم ..». في هذا الجزء من الكتاب .. اختصر الأمير خالد الفيصل مشاريع عسير في كلمة أوردها في الكتاب وألقاها أمام الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – ولي العهد حينها - ثم عرّج على أولويات ومبادرات عسير فكراً وتنمية .. فحملت مشروعات عدّة صفة « الأول « .. ما يعني ريادتها فبها أول تحلية مياه تضخ إلى ارتفاع 2200م فوق سطح البحر ، وأول تلفزيون ملون في المملكة ، وأول طرح لفكرة السياحة .. وتتالت الصدارة في عسير .. وقبل أن يسدل « الكاتب « الستار على هذا الجزء « بابتسامة ويمشي « .. مرّ سريعاً على الحرب الفكرية التي خاضها .. والصحوة ونشأتها .. وهجوم أهل التكفير والغلو عليه .. فكان موقفه .. للانحلال نابذ .. وللتشدد معارض .. فختم بقصيدة جاء فيها « عوى الذيب ياساري عوى ذيبها حذرا يرد الظلام عواه مكة .. الاستقبال بالمطالب عام 1428ه عاد خالد الفيصل لمكةمسقط رأسه .. والمكان الذي تلقى فيه أول تعليمه .. عاد أميراً لها .. ولكن قبل أن يباشر مهام عمله في الإمارة .. وعلى أرض المطار .. جاءت مطالب أهالي جدة .. إذ طالبوا بحل ثلاث مشكلات .. فما كان من الفيصل إلا أن قطع على نفسه وعداً .. أن يخدم المنطقة وأهلها وأن يبذل كل الجهد لتحقيق مطالبهم بتوفيق الله .. في أول دوام بديوان الإمارة بالعاصمة المقدسة دق ناقوس الذكرى .. وعادت بالفيصل الذكريات بمجرد أن رأى قصر الملك فيصل .. فاختزل ذلك قائلا « تخيلت والدي .. وإخواني .. وتذكرت دخولي البيت الصغير الذي كان يقال له قصر .. خرجت من صدري تنهيدة .. طردتها بعزيمة» .. تجوّل خالد الفيصل في شوارع مكة .. ولكنه وقف أمام البيت .. فكانت له حكاية .. نظر إليه .. ثمّ أمهل المعنيين بهدمه خلال 24 ساعة .. ولكن لماذا ؟ بقية القصة بين أسطر الكتاب مرويه . تحدّى الأمير خالد الفيصل الشيب .. وقهر تقادم السنين بعزيمة الشباب .. فزار محافظات المنطقة واطلع على واقع التنمية فيها .. لكنه آمن أن اليد الواحدة لا تصفق .. فاستقطب من الرجال الكفاءات .. ومنهم الدكتور عبدالعزيز الخضيري .. والدكتور سعد مارق .. والدكتور هشام الفالح .. وأبناء المنطقة الذين بدأوا معه في تنمية تبدأ من الكعبة وتنتهي إليها .. يقول عن مكة شعراً : دعاني الواجب لمكة ولبيت أسابق الخطوات .. لا ما توانيت وسجدت ل الله عند بابه وصليت وطلبت توفيقي على ما تمنيت قالوا : غزاك الشيب .. ياعود .. واقفيت قلت : العفو .. بنوم دهرٍ مع الميت حمل خالد الفيصل وفريق عمله لواء بناء الإنسان .. فكان لأبناء المنطقة دورهم الريادي في التنمية الفكرية والثقافية .. واجهوا الإحباط بالأمل والتفاؤل .. وجاءت الدعوة لاحترام النظام .. ومنهج الاعتدال .. ثم نحو العالم الأول .. وكيف نكون قدوة .. تحدّت «الكاتب» عن تجربة مركز التكامل التنموي ,, الذي فتح الأبواب على مصراعيها أمام القطاع الخاص للمشاركة في التنمية .. ونجح .. تطرق إلى سوق عكاظ وقصة الملك فيصل يرحمه الله مع موقعه التاريخي .. وكيف بقي حلم إعادة إحيائه يرادوه إلى أن أمر الملك عبدالله بن عبدالعزيز يرحمه قبل 10 أعوام بإعادته .. وتحدث عن رحلة التطوير على مدى عشر دورات وكيف كانت البدايات متواضعة. التعليم .. اكتشاف المواهب وصقلها عام 1435ه كان الحدث استثنائيا .. الأمير خالد الفيصل وزيرا للتربية والتعليم .. فما كان منه إلا أن استجاب لمشيئة الله .. ولبى رغبة الملك .. فباشر مهامه الجديدة .. التقى الدكتور خالد السبتي .. والدكتور حمد آل الشيخ .. والدكتورة نورة الفايز .. فكانوا مع المختصين في شركة تطوير .. يداً واحدة .. ووضعوا خطة تطوير متكاملة .. وتم الرفع للملك الذي أمر بمشروع تطوير خُصصت له ميزانية قدرها 80 ملياراً .. حقبة وزارة التعليم حملت بين صفحات كتاب إن لم ... فمن ..!؟ الكثير من القرارات والأحداث .. التي تطرّق إليها «الكاتب» .. والكثير من الأنشطة التي انطوت تحت شعار «الاعتزاز بالدين .. الولاء للملك .. الانتماء الوطن». هل يتشكل الإنسان فكراً؟ أم يتشكل الفكر إنساناً ؟ سيلٌ من التساؤلات طرحها الأمير خالد الفيصل في هذه الزاوية من الكتاب .. تساؤلات للذات .. تساؤلات للمجتمع .. هنا في هذا الجزء أبدى ندمه أن ضيّع على نفسه التساؤل حين كان طفلاً .. وكيف أكسبنا الصمت .. الجهل .. هنا .. لم يخفِ الفيصل ندمه على أنه حجّم الأسئلة .. ووأدها في صدره .. لكنه تدارك الخطأ .. فأوعز إلى أبنائه .. بطرح الأسئلة .. وعاد هو ليسأل عن الأسباب التي شكّلت فكرة فطرح : كثيرة هي التجارب التي مررت بها .. فهل هي التي شكلتني فكراً ..؟ هل هي الغربات .. أم المدارس والجامعات ؟ أم أنها مجالس الرجال ؟ أم الاستماع والملاحظات ؟ كثيرة أسئلة الفيصل التي علق عليها الجرس .. فترك الإجابات لمن يقرأه .. مستدركاً «لا ضير إن لم يفهمني» .. ثمّ أنهى هذا الفصل من الكتاب متنقلاً بين مجالس الرجال منذ أن كان طفلاً وحتى اليوم .. وومضات والده الفيصل وأبرز المواقف معه .. ومدرسة أخيه عبدالله الفيصل الذي كان نافذة الأمير خالد الفيصل على الثقافة وروادها والذي قال عنه : ياسيدي ياخوي يا أستاذ عمري من نحن .. ماذا نريد ؟ حبا الله المملكة العربية السعودية بميزات عدة .. وخصها قيادة وحكومة وشعباً بسمات فريدة .. فنحن لأقدس البقاع جيران .. ولضيوف الرحمن خًدّام .. دستورنا القرآن والسنة .. تلك عواملٌ تجعلنا متفردين وذلك ما ركز عليه الأمير خالد الفيصل تحت تساؤل «من نحن ..؟» .. فدعّمه بالشواهد منذ تأسيس المملكة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن يرحمه الله وحتى اليوم .. وفي ثنايا هذه الجزء وتحت تساؤل «ماذا نريد ..؟» لم يشأ الفيصل أن يطرح إجابات .. بل أجاب عن الأسئلة بأسئلة ليحفّز الفكر .. ويدفع النفس البشرية .. للبحث والاكتشاف .. ولعلها مساحة تركها أمام القارئ ليشارك في طرح الرؤى التي تساعد في تشكيل الشخصية .. وتحت عنوان المفهوم الصحيح للإسلام .. استعرض الفيصل بشيء من الأسى .. أساليب العابثين .. لغسل عقول النشء .. وتحوير أفكارهم .. وتحويلهم لقنابل موقوتة .. تحدث عن خطر التطرّف اليميني واليساري .. وحملة التغريب .. داعياً إلى تصحيح المسار يقول : « فقدنا شبابنا .. إما بأحزمة ناسفة .. أو بمجون أسفة وللمكانة الإسلامية التي تمثلها الدولة في الإفتاء والدعوة فإنه من الواجب على علمائنا ودعاتنا .. وأئمة مساجدنا تصحيح المسار المتطرف .. والمتعلمن للدعوة ولن يستطيع ذلك إلا السعوديون