لم يكن صباح الأربعاء، الرابع والعشرون من مايو 2017، الموافق للثامن والعشرين من شعبان 1438 صباحًا عاديًّا لعموم العرب والمسلمين، الذين يتأهَّبون لدخول شهر الرحمة، والمغفرة، والعتق من النار، فقد غشيت الساحةَ رائحةُ فتنة عربيَّة جديدة تُزكم الأنوف، وتدخل بالأمَّة في أتون أزمةٍ طاحنةٍ! غير أنَّ الأزمة هذه المرَّة لم تكن بسبب إسرائيل، كما درجت الأمَّة، على مدار عقود، ولم تكن بسبب إيران، كما عهدنا بها على مدى السنوات الأخيرة، وتحديدًا منذ الثورة الخومينيَّة، وإنَّما بسبب دولةٍ عربيَّةٍ شقيقةٍ هي قطر! لقد جاءت المواقفُ القطريَّة الصادمة للأمَّة كلها، وليس لدول مجلس التعاون الخليجي وحدها، بمثابة ردَّةٍ عربيَّةٍ، وخروج سافر عن الصفِّ العربيِّ والإسلاميِّ. ولأنَّ تاريخًا سابقًا لقطر في هذا الإطار، لم يكن قد نسيه التاريخُ العربيُّ بعد، فلم تشفع التصريحاتُ، التي تحدَّثت عن ثمَّة اختراقٍ، وثمَّة تحريفاتٍ في إحداث أجواء من الاشمئزاز العربيِّ والإسلاميِّ الواسعين! ومن صدمةٍ إلى أخرَى، ومن ردَّةٍ إلى أخرَى، ومن تناقضٍ إلى آخر، عبر الموقف القطري المصادم للصفِّ العربيِّ على جميع الأصعدة.. بدءًا من أصول الانتماء الخليجيِّ والعربيِّ، إلى الارتماءِ الواضحِ في أحضان إيران، مرورًا بالتمسُّك بخيوط الإرهاب، وإحداث الوقيعة في فلسطين! وإذا كانت الإدارةُ الأمريكيَّةُ الجديدة، وبخاصَّةٍ في كنف الرئيس ترامب، لن تستطيعَ الردَّ على الهجومِ القطريِّ المباغت؛ لأنَّها «تعاني كمَا ينصُّ الموقفُ القطريُّ الأخيرُ من مشكلاتٍ قانونيَّةٍ»! فمن حقِّ الأمَّةِ العربيَّة أن تردَّ على أيِّ حماقة تصدر من هنا، أو من هناك! انطلاقًا من ذلك، نقولُ: إنَّ موقفَ الأمَّة، بل العالم كلّه من النظام الإيراني، واضحٌ تمامًا في تمسُّكه بنهج الإرهاب، والتدخل في شؤون الآخرين، فما الذي طرأ حتَّى يتغيَّرَ الموقفُ القطريُّ فجأةً؟! إنَّ وصم النظام الإرهابيِّ بفروعهِ وأذرعتهِ المنتشرة بامتدادِ الخريطةِ العربية أمرٌ لا تخطئه عينٌ، فما الذي أصابَ العينَ القطريَّةَ؟ إنَّ الأشقاءَ في فلسطين لم يكونوا بحاجةٍ لمزيدٍ من الفتن والانقسام؛ حتَّى تصفَ لهم قطر «حماس» بأنَّها الممثلُ الشرعيُّ للشعبِ الفلسطينيِّ! إنَّ أصولَ الانتماء الخليجيّ العربيّ، فضلاً عن الجيرةِ التي تفرضها الجغرافيا، ويحفظها التاريخ تقول: إنَّ أمنَ وسلامَ واستقرارَ ونماءَ الدوحةِ في كنفِ شقيقاتها الكبيرات، هو الأبقى والأكثر ثباتًا واستقرارًا من كلِّ القواعدِ بما فيها قاعدة العيديد، التي ترى المواقف القطريَّة الأخيرة أنَّها الضامن لقطر من تهديدات الدول المجاورة!