يبدو أن العلاج بالتدخّل الموسيقي من العلاجات الفعالة المتميّزة لاضطرابات ومشكلات صحية ونفسية وسلوكية إدراكية مُتعددة، وهو أحد المهارات الطبية التي حازت على كثير من الاهتمام منذ القِدم، وتطوّر حتى أصبح له قواعد علمية وتجارب متواترة ومختصون منضمون إلى جمعيات علمية مثل «الرابطة الأمريكية للعلاج بالموسيقى» بهدف نشر قواعد وممارسات هذا التخصص الذي تعتبره الرابطة مستنداً على أدلة وبراهين علمية لدعم الصحة العقلية والنفسية، ومن ضمن أساليب العلاج لأمراض وآلام مزمنة، وله أصوله وشهاداته المعتمدة لدى «المُعالجين بالموسيقى». ونتيجة تأثر أجزاء من المُخ بنغَمات مختلفة، يمكن استخدام الألحان في دعم العلاجات الدوائية والسلوكية لعدد من الاضطرابات العضوية والنفسية والمعرفية، كالآلام المُزمنة والعجز البدني، ومضاعفات الجلطات الدماغية وأعراض التوتر والاكتئاب والفصام وخرف الشيخوخة والأرق المزمن، إضافة إلى اضطراب «التوحّد» الذي يتميّز بضعف التفاعل الاجتماعي وقصور التواصل اللفظي وغير اللفظي للمريض، حيث من الممكن التأثر بشكل إيجابي للموسيقى المسموعة بحسب مزاج الشخص أو استجابته لبعض الألحان، ومشاركته أيضاً بشكل نشط مع المُعالج الموسيقي بالعزف أو الغناء أو الرقص، حيث تساعد الألحان في إظهار مشاعره الكامنة، مما قد يختصر من معاناته الحادة أو المزمنة من بعض الأمراض العضوية والعقلية، ويساعد على علاجه وإعادة تأهيله. من المعلوم أن الموسيقى من أرقى منتجات الحضارات الإنسانية المختلفة على مرّ التاريخ، وهي لغة اجتماعية مُشتركة لا تستدعي جهداً بالغاً للإحساس بها وفهمها، فتأثيرها الإيجابي يلامس الروح الإنسانية ومشاعرها، حيث ترتبط مباشرة بالانفعالات النفسية وإفراز هرمونات المُتعة والاسترخاء العصبي كهرمون «دوبامين» و «إندورفين»، شرط أن تقع في نفس المتلقّي موقعاً حَسناً، مما يساعد على الشعور بالسعادة والانتشاء، ويستدعي الذكريات والمعاني، وهو أمر مُلاحظ ومُجرّب لدى كثيرين حال استماعهم إلى أغاني الطرب والمقطوعات الموسيقية أو عزفهم على آلاتها المختلفة، بحسب أذواقهم وميولهم وحالاتهم المزاجية، باستثناء من جاء وصفه في قولٍ يُنسب للإمام أبوحامد الغزالي رحِمه الله تعالى: «من لم يُحرّكه الربيع وأزهارُه، والعودُ وأوتارُه، فهو فاسدُ المِزاج، ليس له عِلاج» .. !!.