يشكِّل القدوات من النَّاس منارةً يهتدي بها البشر، ويسترشدون في حياتهم الدنيويَّة حتَّى يكونوا دعاة صالحين ومصلحين، فالنَّفس بطبيعتها تحبُّ النَّظر إلى المثاليَّة والجماليَّة، وتحاول الوصول إليها، أو الاقتراب منها بأسرع وقت وأقصر طرق، والنَّبيُّ عليه الصلاة والسلام يقول: (سدِّدوا وقاربوا)، قال النووي في شرح صحيح مسلم: ومعنى (سدِّدوا وقاربوا): اطلبوا السداد واعملوا به، وإنْ عجزتم عنه فقاربوه أيّ: اقربوا منه، والسداد الصواب، وهو بين الإفراط والتفريط، والمثال فإن لم تستطيعوا فاقتربوا من ذلك قدر الإمكان. فالإنسان ولكي يصل إلى درجة التَّميُّز يجب عليه أن يكون قدوةً في حياته بأعماله وأقواله، وسائر شأنه، وإنَّ النَّاس أحيانًا كثيرة ينظرون إلى المسلم الملتزم نظرةً تتَّخذ منه قدوةً؛ لافتراضهم بأنَّه يحمل صفات تستلزم الاقتداء به، وهذه القاعدة بلا شكّ لا تنطبق على جميع النَّاس، فبعض مَن يتَّخذهم النَّاس قدوةً لهم لا يكونون أهلاً لذلك، وتراهم يخيِّبون ظنَّ النَّاس، وكم نرى في حياتنا المعاصرة كثيرًا ممَّن ينخدع النَّاس بشكلهم وهيئتهم، ليتبيَّن أن ذلك إنَّما هو قناع يخفون وراءه غير ذلك، ولكي يكون الإنسان قدوةً لغيره عليه بأمور عدة: أن يكون منهجه القرآن والسُّنَّة.. أن يتحلَّى بالأخلاق الحسنة، فالنَّاس يحبُّون صاحب الخلق الرَّفيع المستعلي بأخلاقه على صغائر الأمور وتوافهها، القادر على الصَّفح عن الإساءة والعفو عن النَّاس.. أن يكون متواضعًا في حياته وتعامله مع النَّاس، فالإنسان القدوة لا يكون مُتكبِّرًا؛ لأنَّ الاقتداء يلحقه التَّشبه والانقياد، وهذه الأمور لا تتحقَّق إلاَّ إذا كان الإنسان متواضعًا.. أن يقتدي الإنسان السَّاعي لأن يكون قدوةً بمن سبقوه من الذين تميَّزوا وكانوا قدوةً للنَّاس، فكلُّ إنسانٍ قدوة تجد له قدوةً في حياته، وإنَّ المسلم الصَّحيح يسعى للاقتداء بسيِّد الخلق محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام، فهو في شخصيَّته ورسالته على قمَّة هرم الاقتداء والأسوة الحسنة.. أن تكون مخافة الله مرآته، والأمانة غايته، والصدق لسانه، وحب الخير مبتغاه، وإذا وجدت تلك الخصال يصبح الإنسان قدوةً.