إن الإنسان المعاصر يُعاني من عملية الغرس الثقافي التي تديرها المؤسسات الإعلامية الموجَّهة والإعلام الحديث السوشيال ميديا، فالمحتوى والقالب السائد الذي تُقدِّمه يُركِّز على قيم المُتَع الحسية، والتي تتمثل في ثقافة الاستهلاك التي أدت إلى الإفراط في المتعة الجسدية، فقد خلفت هذه الثقافة نمط شخصية لا مبالية، وأكثر اهتمامًا بالمظاهر الخارجية. فلماذا لا يسمو هذا الإعلام بالإنسان؟ ولماذا تتهم القيم الأخلاقية بالرجعية والتخلف؟ مغلفة بهذا القول إنها لا تتناسب مع حق الإنسان في العيش! إن الهدف من جعل الإنسان راغبًا في الحصول على الملذات، لا مُفكِّرًا، بأن يكون صاحب أثر في هذه الأرض، هو أن يتم التمويه باسم الحرية من أجل الأغراض التجارية، والاستفادة من أمواله بأن تستثير غرائزه، فيجد قيمته في عالم الأشياء والجسد. فاستطاعت أن تجعله أسير اللذة المادية، فينفق الأموال باحثا عن المتعة، ويتسمَّر على الشاشات مُعتقدًا أنه يمارس حريته في العيش، حتى وإن لم تتوافق مع منظومة القيم الأخلاقية. فأصبح الإنسان أدائيا تابعًا لحضارة الأقوى، فاقدًا المعنى الحقيقي لحياته، هاملًا عقله بأن يكون إنسانا منتجًا مبتكرًا، له دور وأهداف سامية ونبيلة، تطيع أوامر الله، التي تدعو إلى خدمة الإنسانية. إن القيم الأخلاقية تُحرِّر الإنسان من عبودية الغرائز، والقدرة على كبحها، وفهم وجوده الإنساني بأن يكون مصلحًا في الأرض.. فالإنسان المتسامي يُشكِّل عقبة في مخططات الإفساد في الأرض، لأنه لا يُفكِّر بأن يكون صاحب ممتلكات، وتغريه الأموال، أي أنه ليس تجارة رابحة يتم استغلالها. فالقيم الأخلاقية المنبثقة من شرع الله تخلق الإنسان المتسامي الواعي لذاته، المستقل فكريًا، والذي يُحرِّكه الطموح لإدراك المعرفة، ويسعى إلى التنمية البشرية، وليس من السهل السيطرة عليه وتطويعه بأن يكون خائنًا، لأنه صاحب مبدأ تهمه المصلحة العامة، فهو يُمارس نشاطه الأرقى، ساعيًا للخير للناس، مستمدًا قوته بالإيمان بالله، هيَّابا للشر، رافضًا للظلم، وناثرًا للحب.