يتبادر السؤال بعد ستة أيام من تسلّم دونالد ترامب لمنصبه كرئيس جديد للولايات المتحدة: هل يترجم ترامب وعوده الانتخابية إلى حيّز الواقع فيما يتعلق بسياسته الخارجية؟.. المشهد الراهن يؤكد على أن ترامب يمضي سراعًا في تنفيذ الخطوط الرئيسة في تلك السياسة فقد صدرت قراراته بسرعة قياسية وربما غير مسبوقة في تاريخ الإدارات الأمريكية السابقة، عندما وقع الاثنين 23 يناير، أمرًا تنفيذيًا تنسحب الولاياتالمتحدة بموجبه رسميًا من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ «TPP»، التي تجمع 12 دولة، وصرح الثلاثاء عبر تغريداته بأنه سيعلن عن تشييد سور على طول الحدود الامريكية -المكسيكية بطول أكثر من ألفي ميل، وأنه بصدد إصدار عدد من الأوامر الرئاسية تتعلق بالهجرة وأمن الحدود في الايام القليلة المقبلة. غير أن أكثر ما لفت النظر في وعود ترامب تلك التي تتعلق بمسألة النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس الشرقية، ومسألة الاستيطان، حيث أظهرت إدارة ترامب الجديدة شكلاً من أشكال التردد حيال هذا الموضوع. نقل السفارة والاستيطان اعتبرت صحيفة «الانديبندنت» البريطانية أمس أن قرار الحكومة الإسرائيلية بناء 2500 وحدة سكنية جديدة في الضفة الغربية المحتلة بعد ساعات من قرار سابق ببناء 566 وحدة سكنية في القدس الشرقية بأنه يشير إلى نهج جديد وخطير في السياسة الإسرائيلية بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وأضافت أن إقدام إسرائيل على اتخاذ هذه القرارات جاء بعد مكالمة الأحد بين ترامب ونتنياهو التي وصفت بأنها «دافئة جدًا، إلى جانب اختيار دافيد فريدمان المعروف بأنه من أقوى الداعمين للاستيطان سفيرًا جديدًا لواشنطن. بيد أن هذا التطور الملفت، لم يمرر على النحو الذي كان يأمله نتنياهو، فقد قال أحمد مجدلاني مستشار الرئيس الفلسطيني محمود عباسلصحيفة «هآرتس» العبرية: إن الإدارة الأمريكية الجديدة ترغب في التركيز على إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنه تم طمأنة الفلسطينيين، بأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس «لم يعد يحتل أولوية في جندة الرئيس ترامب»، فيما قال باراك رافيد المحلل السياسي في «هآرتس» أمس تحت عنوان «موقف ترامب من النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تغير من سياسة التشدد إلى السياسة الحذرة» انه لاشك في أن ثمة تطورا في هذه السياسة حصل بالفعل، لكنه لم يأت كما كان يأمله لوبي الاستيطان الإسرائيلي، مضيفًا أن الاستيطان سيشكل موضوعًا رئيسًا في نقاشات ترامب خلال لقائه نتنياهو في واشنطن الشهر المقبل. وقال رافيد: إن ردّ الناطق الصحفي للبيت الأبيض شون سبايسر على سؤال أحد الصحفيين حول رد فعل الإدارة الأمريكية على قرار بناء إسرائيل 2500 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، جاء خلافًا لما كان يتوقعه المستوطنون عندما أبدى سبايسر عدم ترحيبه بهذه الخطوة، واكتفى بالقول: إن موضوع الاستيطان سيكون على رأس الموضوعات التي ستناقش خلال لقاء ترامب - نتنياهو الشهر المقبل. واستطرد رافيد: إن النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني شكل إحدى القضايا البارزة في جلسات التصديق على اختيار ريكس تيلرسون وزيرًا للخارجية، وجيمس ماتيس وزيرًا للدفاع، ونيكي هالي ممثلا لواشنطن في الأممالمتحدة. وانه أمكن الاستدلال على أن أيا من هؤلاء الثلاثة تحدث بلغة المستوطنين أو الليكوديين. وقال ماتيس بالحرف: إن ما يعرفه أن تل أبيب هي عاصمة إسرائيل. كما ركزت هالي على ضرورة حل الدولتين، وقالت بالنص: إنها تعارض بناء المستوطنات. لكن ليست كل الأخبار من واشنطن بهذه القضية سارة للفلسطينيين، فقد قررت إدارة ترامب مراجعة قرار اللحظة الأخيرة للرئيس المغادر باراك أوباما بمنح السلطة الفلسطينية 221 مليون دولار الأسبوع الماضي رغم اعتراضات الأعضاء الجمهوررين في الكونجرس. وقالت الخارجية الأمريكية انها بصدد النظر في أمر تلك الأموال، وما يمكن اتخاذه من إجراءات لضمان توافقها مع أولويات إدارة ترامب حسب صحيفة «الجارديان» أمس. الحظر على المسلمين بات من المرجح أن تشمل الإجراءات الجديدة اخضاع القادمين الى الولاياتالمتحدة من 7 من الدول العربية والإسلامية (سوريا - العراق - إيران - اليمن - السودان- ليبيا والصومال) الى «تدقيق مشدد»، مما سيقيّد الى حدّ بعيد قدرة اللاجئين على الوصول الى الولاياتالمتحدة. كما ستشمل القرارات الجديدة اجراءات من شأنها اجبار المدن الامريكية التي يطلق عليها «ملاذات المهاجرين» على التعاون مع السلطات لتسفير المهاجرين غير الشرعيين. وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: إن الرئيس الامريكي سيتحدث الاربعاء (أمس) إلى موظفي وزارة الأمن الداخلي المسؤولين عن الهجرة، وانه سيوقع عدة مراسيم حول اللاجئين والأمن الوطني. ويذكر أن ترامب كان قد اقترح خلال حملته الانتخابية حظراً مؤقتاً على دخول المسلمين للولايات المتحدة، وقال: إن هذا سيحمي الأمريكيين من هجمات المتشددين. وندَّد الكثير من أنصار ترامب بقرار أوباما بزيادة أعداد اللاجئين السوريين الذين تستقبلهم الولاياتالمتحدة، خشية أن ينفذ الفارُّون من الحرب الأهلية بالبلاد هجمات. ترامب يوقع مرسومًا لبدء تشييد جدار مع المكسيك وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس الأربعاء أمرًا بإقامة سور على طول الحدود المكسيكية، وقال المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر: إن الأمر سيساعد على بناء «حاجز مادي كبير على الحدود الجنوبية»، وأضاف: إن هذا الإجراء سيدعم الموارد لصالح عناصر أمن الحدود، وزيادة مساحة احتجاز المهاجرين غير الشرعيين وضمان ترحيلهم، كما وقع ترامب أيضًا أمرًا تنفيذيًا ثانيًا لإنفاذ القانون بشأن المهاجرين غير المصرح لهم، بما في ذلك حرمان ما يسمى ب»مدن الملجأ» من المنح الاتحادية، وكذلك الولايات التي تعهدت بعدم تطبيق قوانين الهجرة الأمريكية، وفي وقت سابق الأربعاء، قال ترامب: إن أعمال البناء ستبدأ في غضون «أشهر» وأكد أن المكسيك ستساهم في تكاليف المشروع. من جهة اخرى، ذكرت صحف أمريكية الأربعاء: إن الرئيس دونالد ترامب يعد مرسومًا قد يؤدي إلى إعادة فتح السجون السرية لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) في الخارج بعد أن منعها باراك أوباما، لكن المتحدث باسم البيت الابيض شون سبايسر قال: «هذه ليست وثيقة تعود إلى البيت الأبيض، لا أعلم تمامًا ما هو مصدرها». التصويت بصورة غير شرعية قال الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب: إن ملايين الأشخاص صوتوا بصورة غير شرعية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بحسب ما أفاد مؤخرا ولم يقدم أي دليل لدعم تلك التصريحات. وبعد ساعات من إبلاع الميلياردير لرئيسي الكونغرس إن نحو خمسة ملايين شخص قد يكونوا صوتوا بشكل غير قانوني في انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر، أكد المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر وجهات نظر الرئيس خلال مؤتمره الصحافي اليومي. وقال سبايسر: «بحسب تصريحاته، ما بين ثلاثة وخمسة ملايين شخص قد يكونون صوتوا بصورة غير شرعية، وهو رقم يستند إلى دراسات اطلعنا عليها». وأضاف: لا يوجد أي دليل علني عن عمليات تزوير محتملة في الانتخابات التي جرت في الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر. وفي حال كانت تلك التأكيدات صحيحة، فستشكل أكبر فضيحة سياسية في تاريخ البلاد. خلال تركيز ترامب على «أمريكا أولا».. الصين تتولى دور قيادة العالم تعمل الصين في هدوء على بلورة طموحاتها في قيادة العالم من التجارة إلى التغيرات المناخية بإبراز الاختلافات بين حزم الرئيس شي جين بينغ في إدارة دفة الأمور وبين الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب الذي اتسمت أيامه الأولى بمشاحنات مع وسائل الإعلام واحتجاجات. فقبل أيام فقط من تولي ترامب منصبه وقف الرئيس الصيني بكل ثقة في سويسرا اعتباره المتحدث الرئيس في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس ودافع دفاعا شديدا عن العولمة ونوّه برغبة بكين في لعب دور أكبر على الساحة العالمية. وحتى في قضية بحر الصين الجنوبي الشائكة لم تسقط بكين في شراك ما صدر عن البيت الابيض من تصريحات هذا الأسبوع عن «الدفاع عن الحقوق الدولية» في هذا الممر المائي المتنازع عليه. بل إن الصين أكدت رغبتها في السلام ووجهت نداء متحفظا لواشنطن أن تحسب حسابا لكل ما يصدر عنها. وقال الميجر جنرال المتقاعد لو يوان، إحدى الشخصيات المرموقة في الجيش الصيني والمعروف عنه ميله للتشدد في العادة في مدونته هذا الأسبوع: «أنتم عندكم شعاركم ‘أمريكا أولا‘ونحن عندنا ‘مجتمع مصير البشرية المشترك‘.» وأضاف: «عندكم ‘بلد مغلق‘وعندنا ‘حزام واحد وطريق واحد‘« في إشارة إلى برنامج طريق الحرير الجديد للتجارة والاستثمار الذي تنفذه الصين وهو مشروع يتكلف مليارات الدولارات. ورغم أن الصين قالت مرارا إنها لا تريد القيام بالدور التقليدي الذي قامت به الولاياتالمتحدة في قيادة العالم فقد سلم دبلوماسي صيني كبير هذا الأسبوع أن هذا الدور قد يفرض فرضا على الصين. وقال جانج جون المدير العام لإدارة الاقتصاد الدولي بوزارة الخارجية الصينية: «إذا كان هناك من سيقول إن الصين تلعب دورا قياديا في العالم فأنا أقول: إن الصين ليست هي من يندفع إلى الصدارة بل إن من هم في الصدارة يتقهقرون فيخلون هذا الموقع للصين.» الشراكة عبر الهادي تعززت تلك الرسالة هذا الأسبوع عندما سحب ترامب الولاياتالمتحدة رسميا من اتفاقية الشراكة عبر الهادي مباعدا بذلك ما بين أمريكا وحلفائها الآسيويين. وقالت: عدة دول من الأعضاء الباقين في الاتفاقية إنها ستتطلع الآن لضم الصين للاتفاقية مع تعديلها أو تسعى لإبرام اتفاقيات تجارة حرة بديلة مع بكين. وقالت سو شياو هوي الباحثة في معهد الصين للدراسات الدولية الذي تدعمه وزارة الخارجية الصينية في الطبعة الدولية من صحيفة الشعب اليومية عن القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاقية «في كثير من المحافل المهمة متعددة الأطراف قدم زعيم الصين مقترحات صينية مضيفًا زخمًا إيجابيًا للتنمية العالمية.» التغيير المناخي ومن المجالات الأخرى التي تحرص الصين على أن تظهر فيها بمظهر قيادي التغير المناخي. فقد سخر ترامب من قبل من قضية التغير المناخي واعتبرها «أكذوبة» وتعهد خلال الحملة الانتخابية بسحب الولاياتالمتحدة من اتفاق المناخ المبرم في باريس. وقال لي جون هوا رئيس إدارة المنظمات والمؤتمرات الدولية بوزارة الخارجية الصينية: إن العالم يشعر بالقلق للتغيرات المناخية وما إذا كانت الدول ستحترم التزاماتها بموجب اتفاق باريس. وأضاف في تصريحات للصحفيين: «فيما يخص الصين أوضح رئيسي تمام الوضوح أن الصين ستؤدي دورها.» ولم يكن هذا هو الحال على الدوام. فقد مرت الصين بعملية تعلم طويلة وصعبة حتى تصبح قوة أكثر إحساسا بالمسؤولية.