تزامنًا مع الانفجار المعلوماتي وتعدّد أدوات التلقّي ووسائل التواصل الاجتماعي، اختلط الحابل بالنابل واجتمع الغث مع السمين في بوتقة إعلامية ثقافية، وتسابَق عدد من المتحمّسين في مضمار الإعلام الحديث، الذي يتميّز جُلُّه بغياب مرجعية أكاديمية علمية. ومع سهولة الوصول إلى المُتلقّي المشتت بين قنوات إعلامية فضائية وإلكترونية، سيطر التنافس المحموم على نشر الخبر بغض النظر عن مصدره أو صياغته المنضبطة لُغويًا وأدبيًا، فالمهم لدى بعضهم التكسّب المادي السريع على حساب المهنيّة. ومع إغراءات الشُّهرة وهوَس حبّ الظهور، وبهدف توفير كوادر بشرية، تنازلتْ كثيرٌ من القنوات الإعلامية المصوّرة والمسموعة والمقروءة، عن معايير اختيار المذيع الكفؤ والكوادر المؤهلة، وركبَت موجة الإعلام الهزيل مضمونًا وشكلاً، فهمُّها اجتذاب المُستمع والمُشاهد والقارئ بأنواع التهريج، واصطياد ضيوف كيفما اتفق للاستفادة منهم دون تقدير مُستحق، ولا سابق إعداد لنصّ حِواري مُتقن، ووظّفت عددًا من الذين لا تتوفر لديهم أدنى المعايير الإعلامية أو آداب الحوار، فالوسط الإعلامي أصبح كغيره، الغلَبة فيه للواسطة والمحسوبية والمُجاملات، مما دفع كثيرين إلى إطلاق لقب «إعلامي» و «إعلامية» على أنفسهم، لمجرد ظهورهم في إحدى وسائل الإعلام المُختلفة أو اشتهارِهم في وسائل التواصل الاجتماعي!! دون أن ينالوا شرف نيلهم هذا اللقب المبجّل من جهات ثقافية رسمية أو أكاديمية متخصصة بعد دراسة وشهادة معتمدة، أو خبرة في مجالات الإعلام، وتدرّج وظيفي بإشراف خُبراء وأساتذة في ذات المجال، فصار ذلك اللقب عرضة لكل من هبّ ودبّ، همّه المظهر دون المخبر الأجمل. هناك شباب التحقوا بدورات متخصصة وتتلمذوا على أيدي مختصين وإعلاميين معروفين بتاريخهم المُشرق ومهنيتهم الأنيقة، وحصلوا على شهادات في مجال تخصصاتهم الإعلامية، يعانون من انحسار الفرص المتاحة لأمثالهم، في وسط يعجُّ بتنازلات وواسطات وتحزّبات، ويواجهون موجًا مُتلاطما من الغُثاء والغباء، يحتاجون إلى دعم ومساندة ومبادرة من الجهات الرسمية والأكاديمية المعنية لتقديرهم، ووضع معايير مهنية ضابطة منظّمة ومُلزِمة للألقاب المتخصصة، للحد من انتشار ظاهرة «الإعلاميين الجُدد»، احترامًا لمهنة الإعلام، وحفاظًا على الذوق العام، وارتقاءً بالذائقة الثقافية للمجتمع.