الشائعات سلاح قديم استخدم كوسيلة مؤثِّرة من وسائل الدعاية السوداء، خاصَّة في أوقات الحروب، وقد استخدم قادة جانكيز خان المغولي هذه الوسيلة بدهاء للزهو بقواتهم، وإرهاب أعدائهم، فكانوا يبعثون بجواسيسهم، وعملائهم للعمل في مراكز رئاسات أعدائهم، وبين القوافل والتجَّار لبثِّ الشائعات بأنَّ جيوش الخان مثلها مثل الجراد لا يمكن يحصيها العدُّ، وجنوده لا يعرفون إلاَّ الحرب حتَّى أنَّ قادتهم يبذلون جهدًا لتهدئتهم، ولم تكن بهذه القوة كما ذكر المؤرِّخون، بل كانت أقل عددًا، ولكنَّ الشائعات التي روَّجوها كان لها الدور الأكبر في هزيمة كثير من الدول. على أيّة حال، وعن الفضائع التي اقترفها الألمان في بلجيكا خلال الحرب العالميَّة الأولى شائعة زعمت أنَّ الألمان أنشأوا مصنعًا لاستخلاص الجلسرين من جثث جنود الحلفاء، مطلق الشائعة يختلق موضوعًا يتضمَّن جانبًا لو ضئيلاً جدًّا من الحقيقة، يكون له أثر فعَّال في نفوس الناس الذين يوجه لهم الشائعة، ويستجيبون لها حتَّى لو بتحريض على شخص الهدف منه اقصائيَّة بغض النظر عن ما يروَّج ضده من شائعة، فالمجتمع يجب عليه التحقق قبل نشرها على مبدأ الآية الكريمة في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ). فلا يجب مزج تلك الشائعة ببعض الشوائب من شطحاته الخياليَّة، حتَّى أنَّه ليصعب في بعض الأحيان اكتشاف نواة الوقائع الضئيلة الحقيقيَّة، بل قد تكتشف أنَّه لا توجد نواة صدق من الوقائع إطلاقًا، والواقع أنَّ أسماع الناس بهذه الطريقة الهدف من ورائها إحداث الأثر المعيَّن التي أطلقت منه هذه الشائعة لتحقيق الهدف المنشود.