في الأسبوع الماضي أقامت عدة جهات نشاطات متعددة احتفاءً باليوم العالمي للغة العربية، وركزت على تهاون العرب في الاحتفاء بلغتهم موازنة بالأمم الأخرى، فهم مثلًا الشعب الوحيد في العالم الذي يدرّس بغير لغته في التعليم العالي وانسحب أخيرًا إلى التعليم العام، وهو إضافة إلى الانهزامية الثقافية يضعف استيعاب الطلاب للمادة العلمية فمهما بُذل من تدريس للغة الإنجليزية فلن تصل إلى أن يستوعب الطالب بها كما يستوعب بلغته الأم، وهذا مؤكد من اليونسكو، ومن أسباب ضعف طلاب الكليات العلمية عدم تمكنهم من اللغة الأجنبية، بل صار التدريس بغير العربية هدفًا، ظهر معه أنه لا علوم بغير لغة أجنبية، وقد سئلت في مشاركة لي في هذه المناسبة في نادي الرياض الأدبي عن سبب إقبال العرب على التدريس بلغات أجنبية في المشرق والمغرب فلم أجد جوابًا مقنعًا. ومما تم تداوله في المناسبة القوة الناعمة في وسائل الإعلام لإضعاف أهمية اللغة العربية في نفوس الناشئة، فقد سُخِّرت التقنية لذلك وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي التي ركزت على التوجه للشباب مزهدة بشكل غير مباشر في سيادية اللغة ومشجعة لهم بأن يقبلوا على اللغة الأجنبية نطقًا وكتابة، وروجت وسائل الإعلام لاستخدام الكلمات الأجنبية في برامج الإذاعة والتلفاز في المقابلات والندوات بل تسمية البرامج بأسماء أجنبية أو عامية، وبعض الفضائيات الأجنبية الناطقة بالعربية أكثر حرصًا على اللغة العربية من الفضائيات العربية. طرح في الندوات والمحاضرات كثير من مواجع اللغة العربية ومواقف الجحود، من أبنائها، ومن ذلك تركيز إذاعات الإف إم على اللهجات العامية الوافدة في الحوارات، في جحود مشهود للغة الضاد، في مهد العربية ومهبط الوحي. في اليوم العالمي للغة العربية شُخِّصت أسباب الإعراض عن اللغة العربية وأسباب إضعاف مقررات الدراسة، وطرحت الحلول، ولكن ذلك لن يفيد ما لم يكن الكلام تطبيقًا، فما أكثر ما صدر من قرارات تلزم باستخدام اللغة العربية ولكنها في واقع التطبيق غير موجودة. اللغة هوية، وعماد ثقافة، وأساس وحدة، والحفاظ عليها حفاظ على الهوية، ومن يرون أن التقدم يكون بغيرها لا يريدون خيرًا بأمتهم، ومن يخلط بين تعلم اللغات والتعليم بها لا يزيد على أن يكون مخادعًا، له وجه عربي وباطن أجنبي، وليته يقتدي بالدول المتقدمة في العالم التي حرصت على لغتها ونشرها والتعليم بها.