دائمًا ما نلاحظ أثناء قراءتنا لسير عظماء الأدباء أنَّهم عالميو النزعة، أيّ أنَّ توجهاتهم واسعة، باتجاه الإنسانيَّة عامَّة، وليست محصورة النطاق ضمن أقاليمهم أو مناطقهم. فالألماني جيته، لا يختلف أحدٌ على عظمته وإبداعه، لم يكن ضيقًا في حدود بلاده ألمانيا، بل كان عالميَّ الانتماء لدرجة أنَّه كان يفكِّر في قناة السويس، وقناة بنما، ويشتهي أن يعيش خمسين سنة أخرى كي يراهما محفورتين مسلوكتين، ذلك أنَّه اتَّجه إلى الوجهة العالميَّة فأصبح يقول، كما كان يقول الشاعر الإنجليزي شيلي: وطني هو العالم، ولذلك صار يهتم بهندسة هذا العالم وتنظيمه، كما لو كان مملكته الخاصة. أمَّا الأديب النمساوي زفايج، فلم يكن الأدب بالنسبة إليه صناعة فنية راقية، بل تعبيرًا عن النفس الإنسانيَّة والمشكلات الكبرى التي يعانيها الإنسان، ولم يعد الإنسان بالنسبة له هو الإنسان الألماني، أو الإنسان الروسي، أو الإنسان في الشرق، أو في أمريكا، بل هو الإنسان في قضاياه الخالدة التي عبر عنها شيكسبير وجيته، وديستويفسكي، وتولستوي، وغيرهم من الأدباء الذين ارتفعوا إلى أعلى مستوى من مستويات الابتكار الفني وأعلى مستوى من مستويات فهم النفس الإنسانيَّة. الأديب الروسي الشهير (تولستوي) عالمي الانتماء، منح عبقريته وأدبه إلى البشريَّة، فكانت روايته تقرأ في جميع أنحاء العالم، وبكل اللغات، لما فيها من المعاني الإنسانيَّة الخالدة.