بالنظر الى ماحدث باعتباره ممارسة لسياسة دفع الامور الى حافة الهاوية، يمكن القول ان النتيجة كانت فشلا ذريعا بل ومحرجا ايضا. فبعد بضع ساعات فقط، تحول اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك المثير يوم (الثلاثاء) بانه سيعلق محادثات السلام مع الفلسطينيين الى بيان يقول ان اسرائيل تدعو فحسب الى وقت مستقطع مدته 24 ساعة للتشاور. وبعد بضع ساعات من ذلك، استبدل هذا البيان ببيان آخر يقول ان هناك اجتماعا سيعقد بين المسئولين الفلسطينيين والسرائيليين كما كان مقررا. غير ان الفلسطينيين الذين يمارسون من جانبهم سياسة دفع الامور الى حافة الهاوية، اعلنوا ان المحادثات لن تستأنف الا بعد تلقيهم ايضاحا للمسلك الغريب لرئيس الوزراء الاسرائيلي. ووصف باراك ومسئولون اسرائيليون آخرون ماحدث بأنه سوء فهم غير ان التفسير الحقيقي لذلك في رأي المحلل الاسرائيلي شيمون شيفر، هو ان عدم ثبات الاعلانات الصادرة عن رئيس الوزراء يكشف عن حالة من التشوش والارتباك . وبين شيفر في مقال له بصحيفة بديعوت احرونوت انه يبدو أن باراك قد حاول الضغط على الفلسطينيين غير انه تعامى في البداية عن انه هو الواقع في محنة . وترجع محنة باراك الى حقيقية انه في موقف ضعيف على غير العادة سياسيا، حيث يرأس حكومة لاتحظى بتأييد سوى ربع عضاء الكنيست فقط, ويذكر ان الكنيست تضم 120 مقعدا. والمعروف ان الكنيست (البرلمان) في عطلة حاليا إلا أنه لدى عودته إلى الانعقاد في الشهر القادم، فإن رئيس الوزراء قد يخسر اي تصويت بطرح الثقة ويضطر للدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة، ربما تحمل معها الهزيمة له في حالة عدم التوصل إلى اتفاق سلام يدعمه امام الناخبين,ومع ذلك فإن ما احرزه باراك لم يخرج عن انه فاقم من حالة عدم الثقة القائمة بين الجانبين حيث يتردد ان الفلسطينيين استشاطوا غضبا من تصرفات الزعيم الاسرائيلي. فقد صرح ذكر محمد دحلان، احد كبار المسئولين الفلسطينيين المشاركين في المحادثات بان الموقف الاسرئيلي يشير إلى ازدراء اسرائيل للمفاوضات,, واثبت قرار إسرائيل الليلة الماضية للعالم انها غير جادة وغير راغبة في انهاء المحادثات بأسلوب يحقق مصالح الجانبين ,ويتهم المسئولون الاسرائيليون الجانب الفلسطيني بنفس الاتهامات ويقولون انه يتحمل مسئولية المأزق الذي تواجهه مفاوضات السلام منذ فشل قمة كامب ديفيد في تموز/ يوليو الماضي,ونقلت صحيفة ها آرتس الاسرائيلية عن مصدر في مكتب باراك قوله انه من غير المجدي إجراء محادثات طالما أننا مستعدون لاتخاذ قرارات بعيدة الاثر في وقت لم يدخل فيه الفلسطينيون بعد مرحلة اتخاذ القرارات . وقالت الصحيفة ان الخطوة الاسرائيلية ترجع فيما يبدو إلى رغبة باراك في زيادة الضغط على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قبيل الاجتماع الحاسم الذي قرر الرئيس الامريكي بيل كلينتون عقده مع مساعديه حول مستقبل المشاركة الامريكية في المفاوضات . ووفقا لمصادر بارزة في القدس ، فإن الطرفين ينتظران الوثيقة الامريكية التي ستلخص مواقف كل طرف والفجوات القائمة بينهما والتي من المتقوع ان تتضمن ايضا اقتراحات جديدة لتجاوز هذه الفجوات. وعلق شيفر قائلا : في هذه المرحلة,, ينتظر الاسرائيليون والفلسطينيون (وثيقة كلينتون) . ويقول مسئولون اسرائيليون ان السؤال الرئيسي المثار حاليا هو كيف سيرد الجانبان على هذه الوثيقة،واي من الطرفين سيكون مسئولا عن رفض المقترحات الجديدة في حالة رفضها. وقد سعى المسئولون الاسرائيليون وقد اعتراهم الخجل باستماتة لاقناع الفلسطينيين والرأي العام المتشكك بان إعلان رئيس الوزراء ايهود باراك عن تعليق محادثات السلام ثم تراجعه عن هذا الاعلان، كان نتيجة سوء فهم ,غير ان الفلسطينيين لم يقتنعوا بذلك في البداية وقالوا انهم لن يستأنفوا المحادثات الى ان يحصلوا على ايضاح لاسباب إعلان اسرئيل عن الوقف المؤقت للمفاوضات ثم عدولها عن ذلك القرار بعد بضع ساعات فقط. واصر مسئول فلسطيني كبير على ان ما يجري بين الجانبين حاليا هو اتصالات وليس مفاوضات. وقال نبيل أبو ردينة مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لوكالة الانباء الالمانية (د,ب,ا) ان المحادثات الحالية بين صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين لقضايا المرحلة الانتقالية ونظيره الاسرائيلي جلعاد شيرهي اتصالات وليست مفاوضات . وكان باراك نفسه قد نصح الصحفيين في وقت سابق بالتركيز على المسائل المهمة بإبلاغهم بان اعلانه عن شيء وتراجعه السريع المحرج عنه، نتج عن سوء فهم . ووصف وزير العدل يوسي بيلين الارتباك الناجم عن التصريحات الاسرائيلية المتناقضة بانه امر لايستحق الاهتمام . وقال في تصريحات لراديو اسرائيل :لقد قال شخص عن طريق الخطأ/ وقت مستقطع/، ولكن ليس هناك وقت مستقطع، نحن نريد ان نستمر في المحادثات ، مشيرا الى ان ماحدث كان مجرد سوء فهم داخلي . يذكر ان مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين شبه متوقفة منذ فشل قمة كامب ديفيد للسلام في تموز/يوليو الماضي، حيث يتبادل الجانبان الاتهامات بالعناد وتصلب الرأي. وتكهن راديو اسرائيل بان الجانبين ينتظران تقدم الولاياتالمتحدة وثيقة تتضمن تلخيصا للاتفاقات التي تم التوصل اليها حتى الآن كما ستتضمن مقترحات تهدف الى تضييق الفجوات بين مواقف الطرفين إزاء القضايا محل الخلاف. وصرح محمود عباس (ابو مازن) امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بان الفلسطينيين مستعدون لمواصلة المفاوضات في الاسابيع القادمة ولكنهم لن يقبلوا إلا باتفاق إطار يتضمن كافة القضايا المطروحة على بساط البحث بشأن اتفاق الوضع النهائي,من جانبه صرح بيلين لراديو اسرائيل بقوله :نرغب في مواصلة المحادثات ونأمل في ان يكون من الممكن، في ساعة الحسم هذه، التوصل الى حل رغم الصعوبة الهائلة التي ينطوي عليها ذلك,واضاف وزير العدل الاسرائيلي: ليس لدينا حاليا ترف القيام بمناورات . ويعتقد رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك ان السلام مع الفلسطينيين سينهار على الارجح مالم يقبل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مقترحات قدمها الرئيس الامريكي بيل كلينتون. وابلغ الصحفيين اتوقع واعتقد اننا خلال الاسابيع القليلة المقبلة سنعرف اذا كان الرئيس عرفات مستعد لاعتبار مقترحات الرئيس كلينتون التي طرحها في كامب ديفيد وبعد ذلك باعتبارها اساس للتفاوض . واضاف اذا اعتبرها (عرفات) اساسا للتفاوض ستكون هناك مفاوضات, واذا لم يعتبرها كذلك اعتقد لن تكون هناك مفاوضات . ولم يورد باراك اي تفاصيل عن الافكار التي اثارها كلينتون خلال القمة التي استضافها في يوليو تموز الماضي او مقترحات قدمها بعد القمة التي استمرت 15 يوما وانتهت دون التوصل الى اتفاق نهائي. ويختلف الجانبان على قضية القدس الاساسية والسيادة على مزاراتها المقدسة. وفي حين اثار باراك الشكوك حول مستقبل عملية السلام المتعثرة شكك الفلسطينيون في التزامه بالتوصل الى اتفاق بعد اعلان اسرائيل تعليق المحادثات امس الثلاثاء ثم تراجعها السريع عن ذلك. قال المفاوض الفلسطيني احمد قريع ان الفلسطينيين يريدون ردا حقيقيا من الاسرائيليين عما اذا كانوا يرغبون في التفاوض بشكل جدي ام لا. وقالت اسرائيل ان مفاوضين من الجانبين سيجتمعون اليوم الاربعاء لكن قريع ومسؤولين فلسطينيين آخرين قالوا انه يتعين على اسرائيل اولا توضيح المواقف التي اتخذتها امس الثلاثاء. وقال باراك متغلبا على الحرج بعد ان اتهمه المعلقون السياسيون بانه ينتهج سياسة (متعرجة) بعد تعليق المحادثات ان ماحدث مجرد (سوء تفاهم واخطاء), واتهم وسائل الاعلام بالتركيز على التفاهات. وقال مشيرا الى عملية السلام لم يتغير شيء بالامس ولا اعتقد ان شيئا تغير اليوم . وقال وزير العدل الاسرائيلي يوسي بيلين لراديو اسرائيل انها مسألة ليس لها اي اهمية تذكر,, الامر كان سوء تفاهم داخلي, قال احدهم عن طريق الخطأ ستكون هناك وقفة, ليس هناك وقفة,, اننا نريد مواصلة المحادثات . وينفد الوقت بسرعة قبل ان يتوصل رئيس الوزراء الاسرائيلي الى اتفاق سلام نهائي اذ لم يبق سوى خمسة اسابيع على عودة البرلمان الاسرائيلي من عطلته الصيفية متطلعا الى الدعوة لانتخابات مبكرة. وقال داني ياتوم المستشار البارز لرئيس الوزراء الاسرائيلي لدى اعلانه (وقفة قصيرة) في المحادثات يوم الثلاثاء (قررنا اخذ وقفة قصيرة لتلخيص المواقف ووضع تقويمنا,, لسنا غاضبين من الفلسطينيين وهم ليسوا غاضبين منا). ودعا ياتوم الفلسطينيين الى طرح (مواقف اكثر ايجابية واعتدالا حتى يمكن للمحادثات اوالاتصالات ان تستمر ويمكن عبور الهوة القائمة). ولكن فيما يؤكد فشل الجانبين في الاتفاق على شيء قال باراك عن هذه الجلسات انها مجرد (اتصالات) لتحديد ما اذا كان بالامكان بدء المحادثات الحقيقية,وقال بيلين معلقا على التصريحات المتضاربة امس ان الوقت حان للتوقف عن المراوغة والخداع,واضاف بيلين الوقت يوشك على النفاد بالنسبة لنا وبالنسبة لهم, ليس لديهم شريك سلام آخر وكذلك نحن,, العملية في غاية الاهمية ولاتتحمل مثل هذه الالاعيب . وذكر راديو اسرائيل ان الولاياتالمتحدة تعتزم عرض مقترحات على الجانبين في مطلع الاسبوع في محاولة لكسر الجمود,وقال الطيب عبدالرحيم امين عام الرئاسة الفلسطينية لرويترز اننا ندعو الادارة الامريكية اذا كانت تفكر في تقديم مقترحات ان تكون هذه القرارات متسقة مع قراري الاممالمتحدة رقم 242 و338 ,ويدعو القراران الى انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها خلال حرب عام 1967مقابل حدود آمنة ومعترف بها,وقال بيلين ان السيادة على الحرم القدسي الشريف (جبل المعبد) هي العقبة الاساسيةواكد انه يمكن التغلب عليها. وقال دون الخوض في التفاصيل هناك حلول تلوح في الافق,, يجب ان نجلس سويا بشكل مكثف,, حتى نرى بشائرها .