على الرغم من قرار أوبك زيادة الإنتاج الأسبوع الماضي إلا أن الكثيرين يرون أن هذه الزيادة لن تترك أثراً ملموساً على أسعار النفط أو بشكل أدق لن تعمل على خفض الأسعار إلى المستوى الذي ترغبه الدول المستهلكة, وكحل لهذه المعضلة بدأ البعض في هذه الدول ينادي بضرورة إجراء حوار بين الدول المنتجة والمستهلكة للوصول إلى مستوى أسعار مقبول وذلك كآلية بديلة عن السوق الذي يرون أنه لا يعمل في ظل وجود تكتل أوبك, وهذا الأسلوب في التعامل مع هذه المشكلة لا شك أنه أكثر حضارية ومنطقية من أسلوب التهديد الصريح أحياناً والمبطن في أحيان أخرى الذي انتهجته وما زالت تنتهجه بعض الدول الصناعية المستوردة للنفط والذي مضمونه تحميل منظمة أوبك كامل المسؤولية عن ارتفاع الأسعار وبالتالي ضرورة إجبارها على زيادة الإنتاج لخفض الأسعار وربما فرض إجراءات عقابية عليها. ولعل من الأشياء الطريفة تنبيه أو تحذير بعض الدول الصناعية المستوردة للنفط من أن الركود الاقتصادي سيعم العالم بما فيه الدول المصدرة نتيجة لارتفاع الأسعار وعليه فإن وزر هذا الركود يقع على دول أوبك التي يفترض فيها المبادرة لمنعه حفاظاً على الانتعاش الاقتصادي الذي يشهده العالم اليوم. إذا كان هذا منطق الدول الصناعية فعليها أن تدافع عن سلوكها عندما عانت الدول المصدرة للنفط وما زالت تعاني من آثار انخفاض أسعار النفط الذي استمر لمدة ثلاث عشرة سنة متصلة لم يرتفع خلالها سعر البرميل لأكثر من عشرين دولاراً إلا لأسابيع قليلة وانخفض في أحيان كثيرة إلى مادون عشرة دولارات للبرميل الواحد, في حين تدعي معاناتها من ارتفاع أسعار النفط التي لم تتجاوز ثمانية وعشرين دولاراً إلا لأسابيع معدودة على أصابع اليد الواحدة. لقد عانت الدول المصدرة للنفط وشعوبها الكثير من انخفاض أسعار النفط وما صاحب ذلك من ركود اقتصادي ألقى بظلاله على كل شيء تقريباً في تلك الدول ولم تعبأ كثير من الدول الصناعية بمساعدة الدول المصدرة للخروج من هذا الركود بل على العكس كان يفترض فيها أن تقوم بدور الشمعة التي تحترق لتضيئ للآخرين, فلماذا لا يكون لدى العالم شمعتان ليغمر العالم النور وينعم كل أفراده ودوله بالانتعاش الاقتصادي سواء الدول المستوردة أو المصدرة. إن ما تبحث عنه دول الأوبك الآن هو أسعار عادلة تحقق القوة الشرائية التي كانت لبرميل النفط في السابق, فمن غير المقبول أن تستمر أسعار المنتجات الصناعية في الارتفاع سنة بعد أخرى وترتفع معها فاتورة واردات دول أوبك بينما تنخفض أسعار صادراتها، فلا أقل من المحافظة على القوة الشرائية لبرميل النفط حتى تتمكن الدول المصدرة على أقل تقدير من الحفاظ على مستوى معيشة شعوبها من الانحدار, خاصة وأن كثيراً من الدول المصدرة للنفط تعتمد عليه كمصدر رئيسي أو وحيد للدخل، وهو كما هو معروف مصدر ناضب وليس كما هو الحال بالنسبة للدول الصناعية المستوردة والتي تمتلك العديد من مصادر الدخل المتجددة. فالبرميل الذي يستخرج من الأرض يذهب إلى الأبد ولن يعود مرة أخرى، فلابد أن يشتمل سعره على عائد مناسب كاف لأن يتخلى مصدروه عن المكاسب التي من الممكن أن تحقق لهم مستقبلاً فيما لو احتفظوا به في باطن الأرض. أتصور أن التعامل مع أسعار النفط سواء من قبل المنتجين أو المستهلكين سيكون أكثر فعالية وإيجابية فيما لو تبنت جميع الأطراف استراتيجية التعاون والتنسيق فيما بينها لما يخدم مصالحها المشتركة, وفي المقابل فإنه من السذاجة التصور بأن النفط سلعة عادية يفترض أن يتحدد سعرها وفقاً لعوامل العرض والطلب فحسب لأن هناك العديد من العوامل المؤثرة في سوق هذه السلعة ليست كلها اقتصادية. * ورد خطأ طباعي في مقال الأسبوع الماضي حيث ورد أن نسبة الضريبة على الوقود في الدول الصناعية المستوردة للنفط تصل إلى 7% والصحيح أنها تصل إلى 75%. * قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود