قبل أيام، حصل حادث مروّع في الطريق الدائري شرق الرياض، نتج عنه إصابات مؤلمة، لكن الأشد إيلاماً هو إن تسع سيارات في المسار الآخر تلاطمت بعضها ببعض، لانشغال سائقيها بالالتفات نحو الحادث الأول على المسار المعاكس، وفات عليهم بالتالي إشباع حب الاستطلاع لديهم بمعرفة ما آل إليه الحادث الأول بما وقع لهم، وربما أدرك ذلك من لازال منهم بوعيه، بعد أن هرع الآخرون لإسعافهم وتمديد أجسادهم على الطريق بكل أسف. رغم أن المحطات الفضائية تبث أفلاماً رائعة وتعرض فيها مطاردات وحوادث وجرائم مثيرة، إلا أنها للأسف لم تكفِ أو تشبع حواس الاستطلاع لدى الكثيرين بيننا لتفادي الوقوع في مثل هذه المآسي، وكأن لدى البعض جوعاً أو فقراً لرؤية المصائب بشكل حقيقي لا تمثيلي، ولكن ماذا عمّا تبثه نشرات الأخبار من مصائب حقيقية؟.. ولماذا لا تكفي وتسد جوع هذا الوله الاستطلاعي الشره؟.. ربما لأن الخواء الثقافي في هذه الجماجم غير قادر على الاستيعاب، وإن أحسنا الظن فربما لكثرة مصائبنا العربية تبلد الإحساس بأهميتها، أو ربما لعدم وجود حسّ حضاري من الأصل، إذ إن الحوادث المرورية في طرقنا وشوارعنا كثيرة وتكفي لرفع الحرمان من كل عابر للطريق من مشاهدة حادث ليتعظ ويعتبر؟. لست من مؤيدي تعليق هذه الظاهرة السلبية على الوعي، إذ إني أعتقد أنه لو تسنى لهذا الوعي أن يتحدث لتبرأ من هذه العقول جملة وتفصيلاً، لكنه الفراغ والخواء اللذان يشغلان هذه العقول، وإلا فإن حب الاستطلاع قادر وبقوة على خلق وعي رائع من خلال القراءة والمعرفة المتاحة اليوم بشكل هائل، لكن يبدو أن الفراغ والخواء في توجيه الاهتمام ومعرفة الأهم وكثرة السائقين الوافدين من دول متخلفة، تجمعا ليشكلان قضية، جعلت السير في كثير من الطرق السريعة والجميلة في مدننا عقوبة مؤلمة على الكثيرين منا ومساهمة في تفعيل الضغط والسكر بفعل تعطل السير وتراكم الزحام على المسارات جراء متطفل أرعن لا يريد أن تفوته فرصة التحقق من معرفة نوعية تعطل السيارة التي تقف على جانب الطريق. إن هذه الظاهرة المعيبة المتكررة باستمرار من قبل هذه النوعية من العقول، تحتاج إلى علاج نوعي يتلاءم ورداءة هذا التصرف أو السلوك، من خلال مخالفة المتجمهرين حول أي حادث مهما صغر أو كبر، وكذلك مخالفة أولئك الذين يعطلون حركة السير بالتباطؤ والتفرج على الأقل حتى لا تكون (الفرجة ببلاش)، وإن كان ذلك يحتاج إلى مزيد من الجهد من إدارات المرور أو السير بشكل أصح، وقد يكون ذلك صعباً في البدايات أيضاً، لكنه إذا أصبح مخالفة نظامية مثله مثل السرعة فوق الحد المسموح به أو السير ببطء في طريق عام أو تجاوز إشارة حمراء ربما حد من هذا التجمهر. لا توجد حلول فعلية لظاهرة اجتماعية سلبية كهذه إلا من خلال إظهارها وإبرازها كوصمة تخلف تحرج ممارسيها أمام أنفسهم أولاً، و تفعيل أنظمة السير في الطرق والشوارع من خلال مخالفة سوء استخدام الطريق بالسرعة أو البطء، بالتجاوز غير النظامي أو عدم الالتزام بالمسار المحدد والتي غالباً ما يتجاهلها مراقبو شرطة السير وهي أهم أداوت ضبط السير وتقليل حوادثه، بل إنها أهم من نقاط التفتيش عن رخص السير ورخص المركبات أو نقاط الكمائن التي تستهدف المتجاوزين للسرعة النظامية في حين أن السير ببطء وخاصة في المسارات الوسطى واليسار تربك انسيابية السير, وهي في رأيي تتساوى مع تجاوز السرعة إن لم تكن أخطر. وكما بدأت بذكر حادث انتهي بذكر حادث آخر, يشكل هو الآخر ظاهرة سلبية، فقد حدث انقلاب سيارة تعرض صاحبها وزميله لإصابات قد تكون خطيرة، وأمام تأخر سيارة الإسعاف، فقد تبرع أحد المتحمسين لإيصالهما إلى أقرب مستشفى، لولا أن سرعته الجنونية أدخلته وإياهما غرفة الإنعاش بعد تعرضهم لحادث أبشع من الأول والله الحافظ. [email protected]