خبر مفاجئ غير سار فصمت فذهول فبكاء فحزن وأسى، هكذا مرت لحظات الخبر كالصاعقة على أسرته ومحبيه وأصدقائه، أما عليَّ فلا تسأل عن عظم المصيبة، وذلك لعمق العلاقة الحميمة والخاصة التي تربطنا، فلم تكن علاقة رئيس بمرؤوسه ولا ابن بأبيه، بل كانت أكثر من ذلك كنا أشبه بروحين في جسد واحد، شربت من بارد مائه الكثير، وسعني وغيري بحسن خلقه (فرحمة الله عليك أبا عبدالعزيز) إن رحيلك سيتعدى دائرة المحبين والأصدقاء ممن اعتادوا على جاهك وشفاعتك من الفقراء والمساكين والمرضى وطلبة العلم والموظفين وغيرهم كثير وكثير سواء من زاره في مكتبه أو منزله لا يرد سائلاً ولا محتاجاً. كان (رحمه الله) أنفع الناس للناس فريد عصره في طيبته ودماثة خلقه وطيب معشره متسامحاً متواضعاً يأسرك ببشاشته ويخجلك بحفاوته يسحرك بحديثه تهابه في أول لقاء فتجله وتحبه وتحترمه في آخره، رقيق في مشاعره وإحساسه إذا تحدث تتمنى أن لا يسكت خالياً من الغرور والكبرياء وفي هذه العجالة لا يمكن أن نحصي مآثر شيخنا الجليل يتحلى بصفات رفعت من قدره أمام الرجال يجمع من يعرفه بأنه موسوعة علمية في كل الفنون، يتمتع بفطنة وذكاء خاص، إذا تحدث في تفسير القرآن تسمع منه العجب العجاب في مقدرته على استنباط واستخراج الدرر من كلام الله، كيف يسبر هذه المعاني وهذه المقاصد. وهكذا في باقي الفنون، أما إذا زار مريضاً مهما كان خطر مرضه، أو زار أحداً في عزاء فترى الجميع يستمع إلى حسن حديثه العذب المشبع بالقرآن والحديث والنصيحة والدعاء فتنقلب الحال إلى فرح وسعادة يخفف به مصابهم وأحزانهم، وهكذا إذا قابل طفلاً أو مولوداً يسمع والديه من الدعاء ما يفرحهم ويثلج صدورهم من حسن ما سمعوا من دعاء ابتلى منذ عشرين سنة بحادث إعاقه عن المشي قليلاً فتغلب عليه بإصرار وعزيمة إيماناً واحتساباً لوجه الله، وتسليماً كاملاً لقضاء الله وقدره، كان لا يسخط ولا يجزع عند نزول المصيبة بل يقابلها بثبات وصبر واحتساب لم يمنعه مرضه من العمل والقيام بواجباته تجاه ربه ودينه محباً للدعوة يجيد الحوار والمناظرة لديه المقدرة على إقناع غير المسلم بالدخول في الإسلام، فكم وكم من الرجال النساء دخلوا الإسلام على يده، كان آخرهم وبحضوري حينما زرته في أمريكا مطرباً مشهوراً قابله في المستشفى وشرح له لماذا خلق الله الإنسان وما هو مطلوب منه وما له وما عليه وأن الإنسان لا يحس بقيمته إلا إذا عرف ربه وأطاعه وكان يجيد -اللغة الإنجليزية تحدثاً- فلم يخرج إلا وقد نطق بالشهادة وخلع جميع ما عليه من حليه وألقى بها ووعده وعداً جازماً بترك الشهرة والغناء. وبحكم أنني عملت مديراً عاماً لمكتبه في الوزارة ما يقارب خمسة عشر عاماً فإنني أعرف عنه الشيء الكثير مما لا يسع المجال لذكره، ولكن مما يثلج الصدر ويريح النفس أن هذه الصفات مغروسة وملموسة ومشاهدة في أبنائه وبناته البررة وزوجته الصالحة الطيبة (أم عبدالعزيز) نفع الله بهم وألهمهم الصبر والسلوان وغفر الله لشيخنا وجعل قبره روضة من رياض الجنة وأسكنه فسيح جناته. (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ). * مستشار الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية