وفي معمعة التفسيرات والتأويلات والظنون التي تبحث في المصادر التي تغذي الفكر الضال المنحرف (للخوارج الجدد) فأعمت بصائرهم عن الصراط المستقيم، المصادر التي تشجعه وتدفعه إلى التمادي والانغماس في الدم، في هذه المعمعة أخطأ البعض عندما وضع التعليم في دائرة الاتهام، وربط بين عملياته وبرامجه، وأوجه نشاطه ومناهجه ومقرراته، والقائمين عليه، وبين ما يقوم به هؤلاء الخوارج البغاة التكفيريين الذين يتلذذون بسفك الدماء البريئة، ويسعون جاهدين إلى زعزعة الأمن وترويع الناس وتدمير كل القيم السامية الخيرة التي جاء بها الإسلام لإعمار الكون والمحافظة على شؤون حياة الناس عامة. وفي هذه المعمعة أخطأوا كذلك عندما وضعوا الخطباء والدعاة في دائرة لاتهام، لأن الخطباء والدعاة يتحدثون على الملأ علانية، ورسالتهم أسمى من أن توجه إلى الارتداد على المجتمع والبغي على أهله، وهم أعقل وأفطن من أن يستغلوا للتحريض والعدوان، وهم يعرفون أن خطابهم لا يمكن تقبله أو السكوت عنه إن هو خرج عن الإطار العام الذي ارتضاه الناس، أو خرج عن دائرة المقبول والمعقول الذي لابد أن ينطلق ويتوافق مع ثوابت المجتمع ومسلماته، فدعاة التكفير وأصحاب الخطاب التحريضي والناشز عن الحق يتحدثون همسا في الغرف المظلمة، وفي الخلاوي والاستراحات المغلقة، ولا يجرؤون على المجاهرة بهذه الأفكار الخارجة، لأنها دخيلة مخالفة لما يؤمن به المجتمع وتربى عليه. وفي هذه المعمعة أخطأ البعض عندما وضعوا حلقات تحفيظ القرآن في دائرة الاتهام، فمن المعلوم أن هذه الحلقات تتم تحت إشراف مباشر من جهات موثوقة، لها أدواتها ومشرفوها الذين ينتقون من أكفأ المربين وأكثرهم حبا لهذه البلاد وقادتها، وخريجو هذه الحلق يعملون بعد تأهيلهم الآن أئمة في المساجد، ولم يتبين أن أحد المفجرين الانتحاريين أو المحرضين ممن انتسب إلى حلقات تحفيظ القرآن أو تخرج فيها. إن الاستمرار والإصرار على اتهام هذه المؤسسات وإظهارها بأنها هي صانعة التكفير وهي مظلته خطأ سوف يفضي إلى مزيد من الاضطراب والتوتر، وإلى مزيد من المكايدات والمزايدات والاتهامات المضادة، وهنا مكمن خطر داهم على البنية المجتمعية والاستقرار الاجتماعي، والأنكى من هذا وأشد خطورة، أن الصانع الحقيقي للتكفير والمصدر له في مأمن من هذا السجالات والاتهامات، وبهذا ينام قرير العين مطمئن النفس، يخطط ويستحوذ على مزيد من الشباب، يغرر بهم ويدفعهم أدوات تفجير وقتل وتدمير. إن البحث عن من هم وراء صناعة الموت، ووراء إعداد الخوارج التكفيريين والمفجرين وتهيئتهم للتدمير والقتل، يعد من الأولويات التي يجب أن تكون في مقدمة اهتمام وعناية وجهد كل محب ومخلص لهذه البلاد، وأن تكون هذه الجهود موضوعية أمينة، صادقة مخلصة، متجردة من الأهواء الذاتية، وتصفية الحسابات، ونوازع النفس الأمارة بالسوء، والتحيز والتحزب، والأفكار الملوثة الدخيلة المعادية، كل هذه المحددات يجب أن تكون حاضرة حية أمام من يرغب في البحث عن أولئك الذين يصنعون الموت، ويسوغون القتل. والمتابع لهذه الجهود يلحظ أنها ما زالت تدور في دائرة مغلقة من الاتهامات المكررة التي أضحت ممجوجة تجاوزتها الأحداث وكشفت الوقائع المعلنة زيفها وعدم مصداقيتها، وحتى تتم محاصرة هذا الفكر الضال الدخيل، ويتم القضاء عليه وعلى منابعه وجذوره، يجب أن توحد الجهود، وتسخر الأقلام في إظهار الدلائل والبراهين التي تبين أدوار القابعين في كهوف تورابورا، والناهقين في مجاهل جبال اليمن ومتاهاتها، وتعلن عن نفسها صراحة بأنها المحرضة، فهؤلاء هم إخوان الشياطين الذين لوثوا عقول الشباب ودفعوا بهم إلى مهاوي الهلاك والدمار والقتل وزينوا ذلك في عقولهم ووجداناتهم، يجب أن تكشف خططهم الماكرة التي بنيت على خطوات شيطانية حاقدة كارهة للحق مارقة من الدين وإن تمسحت وأظهرت التزاما به قولا وعملا، هؤلاء هم من يجب أن تسخر الأقلام والجهود في فضح خططهم، ومحاصرة مساعيهم التدميرية الانتحارية، والتحذير من حبائلهم وحيلهم التي يقتنصون بها الشباب حديثي الأسنان قليلي الخبرة، الذين يغرر بهم ويدفعون إلى الانتحار خلف شعارات جوفاء، ورايات حمراء وسوداء، وأهواء وأحقاد شخصية دفينة حاقدة كارهة للحياة. فهل نقرأ الأحداث على حقيقتها؟ ونستخلص العبر والدروس منها، ونرسم الطريق نحو الخلاص من المستنقع الذي أغرق التكفيريون فيه الشباب وزينوه لهم باعتباره الطريق الأسرع إلى الجنة.