الاعتداء الآثم الذي تعرض له سمو الأمير محمد بن نايف آل سعود إنما هو خيانة وغدر،، وإجرام شنيع، ولا يفعله إلا نفس فاجرة، ملؤها الحقد والخيانة والعدوان وهو تصرف من صاحب فكر منحرف وعقيدة ضالة، فهو يحمل إثمه، وجرمه، ولا يحتسب عمله على الإسلام ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام المعتصمين بالكتاب والسنة فنحمد الله أن رد كيدهم في نحورهم ورجع مكرهم عليهم ... وقد قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وهذه الأفكار المنحرفة التي يعتنقها هؤلاء المغرر بهم نشأت بأسباب ويترتب عليها مفاسد عظيمة ولها علاج فالأفكار المنحرفة هي كل مذهب أو دعوة أو نحلة انحرف صاحبها عن الحق والهدى الذي جاء به الله في كتابه وجاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، وهذا الانحراف يختلف فقد يصل بالعبد إلى الكفر والعياذ بالله وقد يصل به إلى حد البدعة وقد يصل به إلى الفسق والجميع كلهم متوعدون بالنار وعلى خطر إذا لم يتوبوا ويرجعوا كما قال صلى الله عليه وسلم: (تفرق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة). وفي رواية (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) رواه الترمذي. فالواجب هو التمسك بالحق والهدى الذي جاء عن الله تعالى وعن رسوله وعدم الانحراف عن ذلك لأي سبب كان سواء من أجل شهوة أو شبهة أو هوى أو تقليد أو نحو ذلك. وهذا الفكر المنحرف الذي يحمله هؤلاء المغرر بهم قد نشأ بأسباب منها الجهل بدين الله والانحراف في فهم الكتاب والسنة وأيضًا اتباع الشبهات مما يؤدي إلى خفاء الحق وعدم ظهوره وأيضا من أسبابه الغلو في الدين والتشدد قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من قبلكم الغلو في الدين) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح. وأيضاً من أسبابه اتباع الهوى والظن قال تعالى: {لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ}، وأيضاً من أسبابه التعصب الأعمى للآراء والأشخاص والمذاهب مما يحول بينهم وبين معرفة الحق بدليله قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} البقرة من الآية 170، ومن أسبابه أيضا الطعن في العلماء ورميهم بالمداهنة وإساءة الظن بهم مما حرمهم من العلم النافع قال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (43) سورة النحل. وأهل الذكر هم أهل العلم بالكتاب والسنة فلا يسأل من يتهم في دينه أو لا يعرف علمه أو يعرف أنه منحرف عن فهم أهل السنة والجماعة. ومن أسبابه أيضا المسارعة إلى التكفير على غير هدى ولا علم ولا تثبت وقد نهينا عن ذلك كما قال صلى الله عليه وسلم: (من دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه) متفق عليه من حديث أبي ذر رضي الله عنه ومعنى حار عليه أي رجع اليه. وهؤلاء الذين اعتنقوا هذه الأفكار الدخيلة والمنحرفة وقعوا في مفاسد عظيمة أعظمها أنهم حادوا عن الحق والصواب وفارقوا جماعة المسلمين وخالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهم متوعدون بالنار إلا أن يتوبوا ويرجعوا إلى الحق، قال صلى الله عليه وسلم: (تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة وفي رواية (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) رواه الترمذي فالذين كفروا المسلمين بالذنوب وخرجوا على جماعتهم وفجروا أنفسهم وروعوا الأمنين وقعوا في مفاسد عظيمة من تلك المفاسد أنهم قد أقدموا على الانتحار وباشروا قتل أنفسهم بأيديهم وقد قال تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ} (195) سورة البقرة وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (29) سورة النساء. وكذلك فإنهم قتلوا الأنفس المعصومة من المسلمين والمستأمنين وقد قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (93) سورة النساء. وقال صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) أخرجه الشيخان من حديث أبي مسعود رضي الله عنه وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم (كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله) رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وأيضاً من المفاسد المترتبة على أفعالهم تلك إتلاف الأموال المعصومة بغير وجه حق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت). متفق عليه. وأيضاً في هذا العمل إفساد في الأرض وقد قال الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} (204 - 205) سورة البقرة. وأيضاً من المفاسد المترتبة على أفعالهم تلك تشويه صورة الإسلام والمسلمين عند غير المسلمين وعند الجهلة من المسلمين الذين يرونهم في هيئة أهل الخير والصلاح ولا شك أن العبرة ليست في الهيئات والصور إنما العبرة باتباع الشرع وقد قال صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). (أخرجه الإمام مسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه). وأيضاً من أعظم المفاسد زعزعت الأمن وما يترتب على ذلك من الخوف وحصول الفوضى والتشتت وتعطيل مصالح المسلمين. وأيضاً من أعظم المفاسد المترتبة على أفعالهم تلك نزع يد الطاعة لولي الأمر فلا يرون البيعة له وهذا هو دين الجاهلية قال صلى الله عليه وسلم: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) رواه الإمام مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه وقد تواترت الأدلة على وجوب السمع والطاعة لولي الأمر في غير معصية لله قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأمر مِنكُمْ} (59) سورة النساء. وقال صلى الله عليه وسلم: (عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وآثرة عليك) رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وعلاج هذه الأفكار المنحرفة والهدامة يكون بنشر العلم النافع فإن أعظم ما تحارب به هذه الأفكار الهدامة والدعوات المضللة هو العلم النافع المتلقى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (33) سورة الفرقان. والمثل يعم كل ما يقدمه أهل الباطل من شبهة أو مذهب أو دعوة فإن كل ذلك يكشفه العلم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام فالواجب على أهل العلم البيان وعدم السكوت فعليهم أن يبينوا للناس الحق الذي هو الصراط المستقيم ويدعونهم إليه، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} فالصراط المستقيم هو الحق وهو القرآن والإسلام والسبل هي الأهواء والشبهات والمحدثات والأفكار الهدامة التي تصرف الإنسان عن الحق واتباع صراط الله المستقيم وأيضا يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردود وباطل غير مقبول، فكل عمل أو دعوة ومذهب ليس على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو مردود على صاحبه كائنا من كان وأيضاً من العلاج لهذه الأفكار المنحرفة أن يحرص العلماء والدعاة على الاهتمام بالشباب وتعليمهم العلم النافع وترغيبهم في الخير ولزوم الجماعة وترك النزاع والفرقة وتحذيرهم من مكائد الأعداء ودسائسهم. وأيضاً من العلاج الأخذ على يد من لم يرجع إلى الحق درءاً لشره وحماية للمسلمين من إفساده يقول صلى الله عليه وسلم: (من جاءكم وأمركم على رجل واحد منكم يريد أن يفرق جماعتكم فاضربوه بالسيف كائنا من كان) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. فأوصي نفسي وإخواني من الشباب وغيرهم بتقوى الله والوقوف عند حدوده والتوبة الصادقة من جميع الذنوب والمعاصي لأن هذه المصائب والنكبات التي تحدث إنما هي بسبب الذنوب والمعاصي كما قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} وبعض الشباب هداهم الله للحق يظن أن حال الفساد قد وصل في الأمة لدرجة أنه لا يمكن تغييره إلا بالقوة وتهييج الناس على الحكام وإبراز معايبهم لينفروا عنهم، ولا شك أن هذا مخالف للنصوص الكثيرة المتواترة الآمرة بالسمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف ولما في ذلك من الفساد العظيم والفوضى والإخلال بالأمن بل الواجب عند ظهور المنكرات إنكارها بالأسلوب الشرعي والطرق الحكيمة حرصا على استتباب الأمن وعدم الفوضى. كذلك من الوصايا المهمة رد الأمور العامة التي تتعلق بمجموع الأمة إلى ولاة الأمور فالأمور العظيمة التي تتعلق بالأمة كأمور الحرب والسلم والمعاهدات وغير ذلك لا يخوض فيها أي أحد بل هذه ينظر فيها أهل الحل والعقد من الأمراء والعلماء ولا يجوز لأفراد الناس أن يتدخلوا لأن هذا يؤدي إلى التشتت وبلبلة الأفكار ويتيح الفرصة لأعداء الأمة الذين يتربصون بالمسلمين الدوائر، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأمن أو الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأمر مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} (83) سورة النساء. وأيضا من الوصايا المهمة عدم الوقيعة في أعراض العلماء فالله تعالى حرم الغيبة وجعلها من كبائر الذنوب قال تعالى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (12) سورة الحجرات. وفي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرج به مر على قوم لهم أظافر من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقال: يا جبريل من هؤلاء فقال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم (وإذا كان هذا في حق عموم المسلمين فالوقيعة في أعراض علماء المسلمين أعظم إثماً وأشد جرماً. وأيضا عدم الالتفات إلى من يقلل من شأن العلماء أو يرميهم بالمداهنة، والتثبت فيما ينقل عن هؤلاء العلماء من أخبار. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. وأيضا من الوصايا الحرص على سؤال العلماء والأخذ عنهم وحضور مجالسهم لا سيما عند وقوع الفتن. وأيضا الدعاء للعلماء وولاة الأمور بالسداد والصلاح والهداية للحق والصواب لأن في ذلك هداية وصلاحا للأمة كلها. وفي الختام نحمد الله على سلامة سمو الأمير محمد بن نايف آل سعود مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية من هذا الاعتداء الآثم والله المسؤول أن يحفظ سموه من كيد الفجار وشر الأشرار وينصر به أولياءه ويخذل به أعداءه ونسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وحكومته لما فيه صلاح البلاد والعباد وقمع الفساد والمفسدين، وأن ينصر بهم دينه، ويعلي بهم كلمته، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعاً إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. عضو الجمعية الفقهية السعودية