تيسر لي الاطلاع على كتاب: صغير في حجمه كبير في دلالته ونتائجه لأنه يحكي وقائع لرجال ونساء أسلموا وهو أنموذج لحالات كثيرة في كل مكان لمن تأثروا بمواقف، تمثل جانباً من مزايا الإسلام وأخلاق أتباعه.. لأن الله أراد لهم الهداية فتهيأت ... ... مواقف هزت المشاعر الإيمانية في قلوبهم، وأيقظتها من الغفلة فرغبوا في دين هذه من فضائله ليدخلوه عن علم وقناعة، دون إكرام أو تشديد عليهم: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (256) سورة البقرة. وإنما هي هبة من الله لهم: أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فقد حولتهم من حال إلى حال، ثبتهم الله. ففي السنوات مع الهجمة الشرسة على نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم في محاولة للإساءة إليه وللمسلمين عامة بالرسوم والإعلام الدولي، فكانت حملتهم -بحمد الله وبالا عليهم- ونافذة فتحت على الإسلام بانتشار الدراسات والكتب والمحاضرات، علاوة على الإعلام، بما بان للغرب والشرق بعضاً من فضائل الإسلام: (فعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة 216). فقد زاد عدد الراغبين في الإسلام: دراسة وتفهماً، ثم دخولاً فيه، ودفاعاً عنه، وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يستطع هداية أعمامه، ومن يهمه أمرهم من قبيلته حيث صرفه الله عنهم، بقوله جل وعلا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف، فإن في حكاية نوح مع ابنه وإبراهيم مع أبيه عليهما السلام - عظة وحكمة بالغة أرادها الله لأنه سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل. ومع استقرائنا لكتاب صغير، صدر هذا العام 1430ه، باسم أولئك رجال ونساء أسلموا، من إعداد سلمان بن محمد العمري وقدم له وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف، تبلغ صفحاته (93) من القطع المتوسط، وفيه (25) حالة إسلام مع سببها. ولن نمر بالكتاب كله للحالات التي جذبت كل فرد: رجلاً وامرأة وإنما نلتقط منه حالات هي عند المسلمين: حالات فردية وخاصة، لكنها في عمق الفهم الديني ذات دلالة في اللذة عند هؤلاء المسلمين الجدد، وما أكثرهم في العمالة الوافدة، وعند غيرنا ممن درسوا الإسلام، واقتنعوا بمزاياه وأنه من عند الله سبحانه، بعد فهم عميق. فبدؤوا يجندون أنفسهم للتعريف بالإسلام، والدخول فيه، وقبلهم برز كثير من العلماء في كل أرض، امتدت إليها الفتوحات الإسلامية بالعلم والقناعة وليس بالسيف فخدموا دين الله: علماً وتدريساً، وكتبهم وآثارهم شاهدة بذلك، نعرض من ذلك نماذج على هيئة مواقف: الموقف الأول لامرأة جذبتها حشمة الإسلام للمرأة فأسلمت: إنها خبيرة تجميل ديانتها النصرانية وهي من أصل صيني، اسمها (ناني) جاءت للمملكة من بريطانيا، لتعمل خبيرة بأحد المراكز النسائية، متخصصة في مكياج العرائس، وتدريبات الرشاقة للسيدات والفتيات، تقول: أعجبني كثيراً اهتمام المرأة في المملكة بزينتها ورشاقتها وملابسها، لكنني اندهشت من حرصها على إخفاء هذه الزينة تحت العباءة السوداء، التي تستر جسدها بالكامل، بل إن كثيراً من السيدات والفتيات، يرفضن وضع العطور. فكنت أسأل زميلاتي العاملات بالمركز، بدهشة واستغراب: ما بال هؤلاء السيدات يتزين، ما دمن يخفين هذه الزينة وما دام جمالهن لا يراه أحد. ومن خلال الإجابات على تساؤلي، عرفت أن الإسلام يأمر المرأة والفتاة بالاحتشام وألا تظهر زينتها إلا لزوجها. ثم تتبعت الأمر وخلال عام كامل، لم أسمع أو أقرأ عن تعرض فتاة أو سيدة سعودية لمضايقات أو تحرش أو اغتصاب، أو اختطاف، على غرار ما نسمع عنه في الشرق والغرب على حد سواء. ومن خلال إقامتي في المملكة تأكدت أن احتشام المرأة هو سبب نجاتها من هذه الأعمال غير الأخلاقية التي تعانيها المرأة في مجتمعات توصف بأنها متقدمة، وفي ذات الوقت لم يمنع هذا الاحتشام المرأة المسلمة من العمل في كثير من المجالات، بل إنها تمتلك مؤسسات وشركات، تديرها بنفسها. ثم تقول: شعرت بالغيرة لما تتمتع به المرأة المسلمة وتولدت لدي رغبة، للتعرّف على هذا الدين، الذي يصون المرأة، كما لو أنها جوهرة غالية الثمن. فحرصت على التحدث مع السيدات اللواتي، يترددن على مركز العمل للتعرف على الإسلام فأهدين لي كتباً مترجمة وبعد قراءات مكثفة، قلت لمديرة المركز، بعدما أخبرتها أنني أرغب أن أكون مسلمة كهؤلاء المسلمات، ثم أعطيت كتباً وأشرطة، وأحمد الله على الإسلام الذي منحني الهدوء والاطمئنان (ص 66 - 68) من الكتاب. الموقف الثاني: عن بر الوالدين الذي دفع العامل الفلبيني للإسلام، فقد قدم (ماني) الذي أصبح اسمه (عبد الرحمن) للمملكة عامل صيانة سيارات، لم يفكر في تعلم شيء عن الإسلام إلا أنه كان معجباً بسلوك صاحب مركز الصيانة من أمانته مع زبائنه والتزامه بالمواعيد، وحرصه على جودة العمل، وأدبه الجم في التعامل مع العاملين عنده وتقديره لما يبذلونه، ومع تعاقب الأيام، دعا جميع العاملين عنده لمنزله لتناول طعام العشاء بمناسبة نجاح وتفوق أبنائه في الدراسة. يقول (ماني) في ذلك اليوم رأيت ما لم أره في حياتي إذ فور دخولنا منزله توجه صاحب العمل إلى شيخ عجوز وجلس يقبل رأسه ويديه بكل حب وتقدير ثم سرعان ما اختفى خلف أحد الأبواب، وظل عدة دقائق قبل أن يعود إلينا وعندما سألته عن ذلك الشيخ؟ قال: هو والدي، وأخبرني أن والدته أيضاً تعيش معه في المنزل وأنه ذهب إليها للسلام عليها عندما غاب عنا. وعندما حان وقت الطعام رأيته يستأذن منا ويجلس إلى جوار والده العجوز يطعمه بيده بكل صبر ودون ملل أو حرج ثم يأتي له بالماء إلى حيث يجلس ويغسل له يديه وفمه. عجبت من هذا الأمر كثيراً وعجبت أكثر حينما علمت من أحد العاملين معه، منذ سنوات طويلة أن هذا لا يأكل قبل أن يتأكد من أن والديه، قد تناولا طعامهما ولا يخرج من البيت أو يعود إليه إلا بعد السلام عليهما والجلوس إليهما والسؤال عما إذا كانا يحتاجان لشيء فيقضيه لهما. في هذا الموقف تذكرت والدي الذي لا يعرف شيئاً عن أخباري بل لم أره منذ عامين ولم أخبره بسفري للسعودية على الرغم أنه كبير السن ويحتاج إلى من يرعاه. فهزني هذا الشعور وتحدثت إلى أحد العاملين الموجودين معي من أبناء وطني وعندما سأله صاحب العمل عما أقول، أخبره بذلك وبدا عليَّ الخجل من نفسي وسلوكي، فنظر إليَّ صاحب العمل وهو يقول: هل ترضى أن يفعل أبناؤك مثلما فعلت مع أبيك؟ فقلت: لا. وفي أثناء الحوار دخل علينا شاب في السادسة عشرة تقريباً، وجثا على ركبتيه ليقبل رأس ويد صاحب العمل فأجلسه إلى جواره وهو يقول: هذا ابني زيد. فأدركت سرَّ ما قال لي، حيث ما عمل بوالده عمله ابنه به، في البر والرحمة والاحترام، ثم نصحني بالاتصال بوالدي والاعتذار إليه عما بدر مني من تقصير في حقه، ويحثني على السفر لبلادي لقضاء بعض الوقت في قرب والدي، بل أكبر من ذلك تعهد لي أن يتحمل كل نفقات السفر، على الرغم من أنه لم يمض على عملي معه ما يسمح لي بالسفر. وعندما سألته: لماذا تفعل هذا؟ قال: لقد أوصانا الله سبحانه ببر الوالدين، ولا نرفع الصوت عليهما، وأنه لا يريد أن يعمل معه شخص عاق لوالديه.. حتى وإن كان غير مسلم. ففعلت ما أراد مني صاحب العمل إرضاء له وحرصاً على عملي وسافرت لبلدي، والتقيت بوالدي الذي احتضنني وقبل اعتذاري عن كل ما بدر مني في حقه ووجدت في ذلك سعادة كبيرة لم أذقها من قبل وسألت نفسي: إذا كان الإسلام يأمر أتباعه بما يحقق لهم السعادة في الدنيا والثواب في الآخرة فنعم هذا الدين. وبمجرد عودتي: سألت صاحب العمل كيف أكون مسلماً؟ فاصطحبني إلى أحد المكاتب التعاونية وزودني ببعض الكتب الإسلامية المترجمة، فنطقت بشهادة الإسلام، وأصبح اسمي عبد الرحمن، وتضاعفت سعادتي. (ص 17 - 20) من الكتاب. أما الموقف الثالث: فهو لمسلم كندي، تأثر لمساعدته في إصلاح بنشر سيارته، في يوم شديد الحر بالرياض، يقول: مضى عليَّ أكثر من عام بعملي في المملكة لم يتصل بي أحد، ولم أعرف شيئاً عن الإسلام إلا ما لاحظته في وقت الصلاة بتوقف الجميع عن العمل فكنت أتضايق من ذلك الأمر، لأنه من وجهة نظري يؤخر إنجاز العمل ذلك الوقت. وفي فصل الصيف: عندما تشتد الحرارة في الرياض، وقت الظهيرة في أعلى معدلاتها كنت عائداً من عملي فإذا بإطار السيارة عندي يتمزق فوقفت في الشارع ما أدري ماذا أعمل وفجأة توقف لجواري صاحب سيارة قديمة وخرج منها رجل ذو بشرة سوداء عرفت فيما بعد أنه سوداني تحدث معي بالعربية فلم أفهم شيئاً، فإذا به يحدثني بإنجليزية جيدة عارضاً مساعدتي بل ويتولى تبديل الإطار بالكامل مع حرارة الشمس المحرقة وقد تبلل وجهه وأجزاء من ملابسه بالعرق، من شدة الحر والشمس المحرقة يعمل وأنا واقف أنظر إليه شاكراً ومندهشاً. وحاولت التعبير عن شكري، فمددت يدي بمبلغ من المال فرفض بشدة فأعطيته رقم هاتفي، وأخذت منه رقم هاتفه مع وعد بالتواصل.. وبعد أيام التقينا وطرحت عليه ما في ذهني من سؤال: ما الذي دفعه للتوقف وتحمل الحرارة العالية لمساعدة إنسان لا يعرفه ولا تربطه به أية علاقة؟! فأجابني مبتسماً: إن الإسلام يأمر أتباعه بمساعدة كل من يحتاج للمساعدة دون انتظار لمقابل وإنما يطلب الأجر من الله سبحانه، قلت: وإن كان غير مسلم؟ قال: نعم وإنما الأجر من الله. فاعترفت له بأنني لم أتوقع أن يكون الإسلام كذلك.. بل ما أُشعرنا عنه، بأن الإسلام دين السود فقط، وأنه لا يهتم بالعلاقات الإنسانية بل يعادي المخالفين له.. وطلبت منه كتباً تعرفني بهذا الدين، فوعدني أن يحقق ذلك، وصحبني إلى المكتب التعاوني وعرفت عن الإسلام ما انشرح له صدري وكلي أمل أن يهتدي به غيري.. وأن يذوقوا مثل ما أنعم الله به عليّ من نعمة الهداية والاستقامة وقد أسلمت واخترت اسم يوسف بدل جورج. (ص 21 - 23) من هذا الكتاب.