للمسلم أوراد وأدعية يستعيذ بها من شرار الجن والإنس، ومن طوارق الليل والنهار إلاّ طارقاً يطرق بخير.. ومع أن أوراد الصباح والمساء التي علمنا إياها سيد البشر كفيلة بحفظ المسلم من كل سوء، إلاّ أنه صلى الله عليه وسلم قد سمى أخطر أسباب الشر، مثل: النفس الأمارة بالسوء، والشيطان، والهامة، والعين اللامة، والمرض، والكسل، والجبن، والبخل، وغلبة الدين، وقهر الرجال، والحاسد، والغاسق والنفاثات في العقد، والوسواس الخناس، وغيرها. ولأن مسببات الشر لا حصر لها، وأبوابه لا عد لها، فإن من معجزاته صلى الله عليه وسلم وهو الذي أعطي جوامع الكلم أنه تنبأ بأبواب الشرور غير المعروفة في زمنه فقال: «اللهم إني أسألك من الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله ما علمت منه وما لم أعلم». ومن أعظم أبواب الشر الجديدة التي انفتحت مع ظهور شبكة الإنترنت، شر اسمه خفافيش الإنترنت، وهم ثلة من شرار الخلق وجدوا فرصة لتفريغ أحقادهم من خلال الكتابة بأسماء مستعارة، ووجدوا وسيلة لنفث سمومهم، من خلال الإشاعات المغرضة والتعليقات السيئة لتشويه صورة الآخرين، والطعن في أعراض المؤمنين الغافلين والمؤمنات الغافلات. ويبدأ مسلسل البهتان والغيبة بمجرد أن ينشر أحد الموتورين فرية على أحد الأشخاص المعروفين سواء كان مواطناً ناجحاً أو مسؤولاً بارزاً، وما أن يفرغ ذلك المفتري من عرض فريته حتى ينبري لها طوابير الخفافيش بتعليقاتها وتهكماتهم وافتراءاتهم، وكأنهم كلاب تنتظر وجود الجيفة لتنقض عليها وتنهشها من كل جانب. وعلى سبيل المثال فلو نشر أحدهم ظلماً وعدواناً خبراً ملفقاً يفيد أن المسؤول الفلاني قد ارتكب مخالفة إدارية لجاءت التعليقات التالية تؤيد الخبر وتضيف له المزيد من الاتهامات، فبعضهم يدعي أنه قد سرق من قبل، وبعضهم يدعي أنه من أسرة عرفت بالسرقة والرشوة، وبعضهم يطالب بإيقافه والتشهير به، وبعضهم ربما يطعن في عرضه أو نسبه أو تاريخ أسرته. وهكذا تنهال الاتهامات دون تعقل، ودون تثبيت، فلا تجد بين هؤلاء الخفافيش من يسأل نفسه قبل أن يلغ في عرض هذا المسلم المفترَى عليه عن مدى صحة الخبر، ولا تجد بينهم من يستذكر قول الحق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ..} الآية (6) سورة الحجرات. وقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية (11) سورة النور. وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} الآية (23) سورة النور. ويندرج تحت هذه الفئة أولئك الذين ينبشون مثالب الطرف الآخر سواء كان أسرة أو قبيلة، فيقوم جهلاء ذلك الطرف بنبش مثالبهم لتتسع دائرة الشتم والتنابز بالألقاب، حتى إن العاقل ليخشى من وجود أطراف خارجية تصب الزيت على النار لبث الفرقة في مجتمعنا المحسود على أمنه ووحدته. إن هذا الوباء أصبح يمثل ظاهرة اجتماعية خطيرة تحتاج إلى دراسة جادة لمعرفة أسبابها ودوافعها وسبل علاجها، حفاظاً على وحدة المجتمع أولاً، وحقوق المفترَى عليهم ثانياً، وتوجيه هؤلاء الشباب إلى السلوك الإسلامي السوي الذي يحَرِّم أعراض المسلمين كما يحرم دماءهم. ولا أدري إلى متى تقف الجهات الرسمية ذات العلاقة موقف المتفرج أمام استشراء هذه الظاهرة غير آبهة بأخطارها على سلامة المجتمع ووحدته؟ وإلى أن يأذن الله بالقضاء على هذا الخطر، فليس أمامنا إلاّ الاستعاذة صباحاً ومساء من طوارق الليل والنهار وطوارق الإنترنت إلاّ طارقاً يطرق بخير.