عروس كلما زاد عمرها عاما زادت مكانتها في نفوس محبيها، وهذه العروس الجميلة الفاتنة التي تحتفل بعقدها الرابع هي مجلة العربي الكويتية والتي صدرت في أواخر الخمسينات الميلادية من القرن العشرين الذي تولى. وهذه الكلمة المقتضبة هي عرفان بالجميل الذي أسدته هذه المجلة الكبيرة لقراء العربية وتحية إكبار لاسمها, لقد كان صدور العدد الأول من مجلة العربي قبل أربعين سنة هزة كبيرة في الثقافة العربية المعاصرة وذلك لأنها ولدت قوية وعاشت قوية وفتحت نوافذ جديدة للثقافة العربية وأقصد بهذه النوافذ ان المجلات العتيدة في تاريخ امتنا الثقافي كانت في الاغلب الأعم أدبية بحتة من أمثال مجلة الرسالة التي اصدرها أحمد حسن الزيات عام 1933 ومجلة الثقافة التي اصدرها الدكتور أحمد أمين عام 1939م. أما مجلة العربي فقد صدرت بداية وفاتحة لعهد جديد في العلوم والطب والتكنولوجيا فقد اهتمت بالاضافة إلى التراجم واستعراض التراث العربي في شتى مناحيه، بالثقافة العلمية التكنولوجية فهي تشرح للقارئ تركيب الصاروخ والطائرة والمدفع والراديو والرائي وغير ذلك وتناولت الطب وأمراض الإنسان والجراثيم وخطرها وطرق مقاومتها, ثم اهتمت بعد ذلك كله بالجغرافية العربية فكان لها استطلاع قام بتصويره آنذاك المصور المصري الشهير سليم زبال رحمه الله. وقد صدر العدد الاول من المجلة في نهاية 1958 بعد ان عهد برئاسة تحريره إلى الدكتور أحمد زكي وكان الدكتور أحمد زكي قد ترأس قبل ذلك مجلة الهلال في الاربعينات من القرن الماضي, وكان جامعا بين الثقافة الادبية والعلمية ذا أسلوب أدبي خلاب, وقد ترجم لقراء العربية غادة الكاميليا للكاتب الفرنسي الكسندر دوماس الصغير ورفائيل للشاعر الفرنسي لامارتين, ومن روائعه كتاب مع الله في السماء الذي شرح فيه بأسلوب ادبي عذب كثيراً من قضايا الفلك والأجرام السماوية والكواكب والنيازك. ويطيب لي أن أستعرض لقراء الأدب العدد الأول من مجلة العربي الذي صدر كما أسلفت في نهاية 1958م وفي مطلع العدد يطالعنا الدكتور أحمد زكي بمقالة بعنوان لم كان الكويت للعربي منزلا نقتطف منها: باسم الله نفتتح هذا الحديث الاول, وباسم العروبة خالصة بحتة نخط اول سطر يقع عليه البصر من هذه المجلة الوليدة واسميناها العربي وما كان اسم بوافٍ بتحقيق ما يجول في رؤوس رجال الوطن العربي كله ورؤوس نسائه، من معانٍ وما تستدفئ به قلوبهم من آمال وأماني كاسم العربي في حسمه وايجازه, ولقد كان جاز للعربي أن تتخذ لها منزلا اي قطر من أقطار العروبة فبغداد جازت, وجازت القاهرة ودمشق وجازت الخرطوم والرباط وتونس, جاز كل بلد له اللسان العربي لسانا والبيان العربي الناضح بعروبة بيانا. ثم تشاء الاقدار ان يكون منزل العربي بلدا من أصغر بلاد العرب حجما وليس بأصغرها خطراً فكان الكويت للعربي منزلا. وخير ما شاءت الاقدار, فالكويت لو أن بلاد العرب جميعا قعدت إلى مائدة مستديرة وكشفت بالحساب عما ادته للعروبة من خير لهلل وجه الكويت على صنيعه الذي صنع. والعربي للفكرة العربية خالصة. وهي لكل ما يتمخض عن الفكرة العربية من معانٍ. فهي ضد المرض ومع الصحة ومن الصحة صحة العقول. وهي ضد الجهل ومع المعرفة في هذا الوطن العربي كله. وهي ضد الفقر فتطلب للفقير التعليم الطويل والتثقيف الواسع والتدريب الصادق ليعمل مخلصا وليعيش من عمله عيشة راضية كريمة. وقد حفل العدد الأول باستطلاعات عديدة هي: 1 تمور العراق احدة دعائم الثروة العربية. 2 البحرين: تعاقبت عليها أربع حضارات. 3 القاهرة في منتصف الليل. 4 القات شيطان في صورة شجرة. 5 يوم مع جيش التحرير الجزائري. وفد حفل بمقالات عديدة منها مقال للاستاذ عباس محمود العقاد عن الزعيم القدير صلاح الدين الأيوبي ومقال للدكتور زكي المحاسني عن أبي العلاء المعري وقصيدة للشاعر أحمد الصافي النجفي. واستمر عطاء مجلة العربي طيلة اربعة عقود وقد توفي في اثناء ذلك الدكتور أحمد زكي والذي خلفه الصحفي الشهير الأستاذ أحمد بهاء الدين ثم تولى الدكتور محمد الرميحي لفترة طويلة من الزمن, ويقوم الدكتور سليمان العسكري برئاسة التحرير في هذه الايام, إنها تحية تقدير لأسرة تحرير العربي متمنين لها مزيدا من النجاح والتوفيق.