"التأمينات" تعوَض الأم العاملة عند الولادة 4 أشهر    أرامكو والراجحي يقودان "تاسي" للتراجع    بيئة وغرفة القصيم يعرفان بالفرص الاستثمارية    رئيسة وزراء إستونيا تستقبل سمو وزير الخارجية    الحرارة أعلى درجتين في يوليو وأغسطس بمعظم المناطق    السجن 7 سنوات وغرامة مليون ريال لمستثمر "محتال"    أمير القصيم يتسلم التقرير السنوي لجمعية المتقاعدين    إطلاق برنامج المجموعات البحثية المتخصصة في مجال الإعاقة    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام وبصيرة ينظمان فعاليات توعوية عن أضرار المخدرات    الدكتور السبتي ينوه بدعم القيادة غير المحدود لقطاع التعليم والتدريب في المملكة    السفارة في تركيا تعلق على تهديد مواطنين في إسطنبول    «الموارد البشرية» تفرض عقوبات على 23 صاحب عمل وإيقاف تراخيص 9 مكاتب استقدام    تعرف على قادة الهلال بعد رحيل سلمان الفرج    موسكو تسجل أعلى درجة حرارة منذ 134 عاماً    هل يلتقي بايدن ونتنياهو في واشنطن؟    كوستاريكا تودع كوبا أمريكا رغم فوزها على باراجواي    تحسن قوي بالأنشطة غير النفطية في يونيو    جامايكا تستعد لوصول إعصار "بيريل"    محلي البكيرية يناقش الأمن الغذائي للمنتجات الزراعية وإيجاد عيادات طبية    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس غرفة الخرج    وزير الخارجية يلتقي نظيره بجمهورية إستونيا ويوقعان على مذكرة تفاهم    بيولي مدربًا للاتحاد حتى 2027    استشهاد 17 فلسطينياً في قصف إسرائيلي على قطاع غزة    مفتي عام المملكة يستقبل أمين محافظة الطائف    الأمان يزيد إقبال السياح على المملكة    بناء محطة فضائية مدارية جديدة بحلول عام 2033    وزير الاتصالات وتقنية المعلومات السعودي ،يجتمع بقيادات meta وgoogle لدعم الاقتصاد الرقمي والحراك الابتكاري عبر الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة    ولي العهد: سخّرنا أعلى الإمكانات والوسائل بموسم الحج    اتحاد القدم يعين البرازيلي ماريو جورجي مدرباً للمنتخب تحت 17 عاماً    يورو 2024.. تركيا تتغلب على النمسا بهدفين وتتأهل إلى ربع النهائي    البرتغاليون انتقدوا مهنيتها.. «قناة بريطانية» تسخر من «رونالدو»    تجسيداً لنهج الأبواب المفتوحة.. أمراء المناطق يتلمسون هموم المواطنين    خدمة إلكترونية ل«طلب السير في الدعوى» لغياب المستأنف    «كفالة»: 8 مليارات تمويل 3 آلاف منشأة صغيرة ومتوسطة    ميزة طال انتظارها من «واتساب».. الاتصال دون حفظ الرقم    وصول التوأم السيامي البوركيني الرياض    90 موهوبًا يبدأون رحلة البحث والابتكار    التعليم المستمر يتابع سير الحملات الصيفية لمحو الأمية بالباحة    أزياء المضيفات    ازدواجية السوق الحرة    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب    أمير الشرقية: مشروعات نوعية ستشهدها المنطقة خلال السنوات المقبلة    أمير القصيم ينوه بعناية القيادة بالمشروعات التنموية    نائب أمير مكة يستقبل عددًا من أصحاب السمو الأمراء والمعالي والفضيلة العلماء    انفجار نجم سَيُرى بالعين المجردة    التراث يجذب الزوار في بيت حائل    تأثير التكنولوجيا ودورها في المجتمع الحديث    طه حسين في المشاعر المقدسة 2-1    خيول عسكرية جامحة في شوارع لندن    الحج .. يُسر و طمأنينة وجهود موفقة    هنّأ رئيس موريتانيا وحاكم كومنولث أستراليا.. خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    ولي العهد يعزي هاتفيا ملك المغرب في وفاة والدته    "التخصصي" يجري 5000 عملية زراعة كلى ناجحة    أمير القصيم يكرّم عدداً من الكوادر بالشؤون الصحية في المنطقة    "الطبية" تعالج شلل الأحبال الصوتية الأحادي لطفل    نائب أمير مكة يرأس اجتماعاً لمناقشة التحضير للحج القادم    تشييد مركز ثقافي ملحق بمسجد القبلتين.. المساجد التاريخية.. مقصد الزوار بالمدينة    منظومة العمل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. سعد بن عبد القادر القويعي
المحكمة الجنائية الدولية.. قاض وجلاد!
نشر في الجزيرة يوم 13 - 03 - 2009

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية - قبل أيام - مذكرة توقيف متوقعة، بعد حوالي السنة من المداولات بحق - الرئيس السوداني - عمر البشير, بسبعة اتهامات تتعلق بجرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية. نتيجة تدخل أطراف عالمية كبرى في الشأن السوداني، والكيد له، ومحاولة زعزعة
وحدته. بل إن مطالبة - المدعي العام -للمحكمة الجنائية الدولية (لويس مورنيو أوكامبو) باعتقال - الرئيس السوداني - عمر البشير، وتقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية تشكل سابقة دولية خطيرة، لا يشك عاقل بتسييس هذا النوع من القضايا. وهو ما أشار إليه استطلاع للرأي العام نشر في الشهر الفائت، أن (91%) من الرأي العام العربي يرى أن ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية تحركها دوافع سياسية. ومع أن وزراء الخارجية العرب رفضوا قرار المحكمة بإصدار هذه المذكرة ضد رأس النظام في الخرطوم، لما يترتب عليه من انعكاسات سلبية على الوضع داخل السودان كأمن واستقرار ووحدة أراضيه، ودخول أزمة دارفور في منعطف خطير من شأنه أن يزيد أعداد الضحايا، إلا أن المحكمة دعت الخرطوم إلى التعاون، وتسليم الرئيس السوداني مهددة باللجوء إلى مجلس الأمن في حال رفضها.
أما وقد صدرت مذكرة توقيف - الرئيس السوداني - عمر البشير دون غيره من جرائم الإبادة غير المسبوقة التي قامت بها دول عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإسرائيل. فإن ذلك يثير العديد من الأسئلة المتعلقة بمصداقية تلك المحكمة وحياديتها وعدالتها ونزاهتها، ويعكس الخلل الحاصل في الموازين الدولية وفق أجندة ومصالح سياسية. حوصر - من خلالها - السودان في السنوات الأخيرة، وحجبت عنه المساعدات الدولية والمعونات الإنسانية، وجمدت حقوقه في اتفاقيتي (لومي وكوتونو).
وإذا كان - المدعي العام - للمحكمة الجنائية الدولية شدد على أهمية أن يفهم العرب والمسلمون، أن هذه المحكمة تحاول حماية (5.2) مليون مسلم في دارفور، وهذا يعني أنها لا تعمل خلافا لمصلحتهم. إلا أننا على يقين، بأن هناك غيابا تاما لمفهوم العدالة دون اعتبار لحقوق الشعوب ومصالحها، فهو الذي رفض أكثر من (240) طلبا للنظر في الجرائم الأمريكية - البريطانية في العراق، والتي تشير بلا شك في تورطهما في جرائم حرب في العراق. واعتذر عن قبول النظر في تلك الطلبات بذرائع عدة، منها: أن بعضها لا يقع داخل دائرة اختصاص المحكمة، وبعضها غير خطير.
مع أننا لم ننس الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والتي لا تزال عالقة في الأذهان حين ارتكبت أعظم مجزرة في الأراضي الفلسطينية منذ حرب 1967 م، فسقط مئات الشهداء جراء القصف الإسرائيلي لقطاع غزة. بل كانت - تلك الحرب - أعنف وأشرس حرب تشنها إسرائيل منذ قيامها قبل (60) عاما، ارتكبت خلالها جرائم حرب وإبادة لم تتحرك بشأنها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة رؤساء ووزراء إسرائيل. ولم ننس ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا في الحرب الهمجية ضد الشعب العراقي والأفغانستاني، قتل خلالها ما يزيد على مئات الألوف من الأبرياء، هذا عدا الجرحى والمصابين بعاهات مستديمة، وشرد خلالها ملايين الأبرياء في داخل بلادهم وخارجها، وارتكبت خلالها جرائم حرب وإبادة لم تتحرك بشأنها المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة رؤساء تلك الدول. إضافة إلى أن حقوق الإنسان والحريات التي تعرضت إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات الرهيبة في معتقل (غوانتانامو) في كوبا، وسجن (أبو غريب) في العراق، وسجون أخرى في أفغانستان، لم تتحرك بشأنهم المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة الرئيس الأمريكي (جورج بوش) لانتهاكه اتفاقيات جنيف عبر ممارسة جنوده التعذيب في حربها على الإرهاب.
إن ثمة أهدافا أخرى يجب ألا تغيبها القراءة الصحيحة للأحداث الأخيرة، وهي أن: الولايات المتحدة الأمريكية ترسم مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية على المستوى الاستراتيجي بعيد المدى. ففي دراسة أجراها - المؤرخ والمفكر العراقي - الدكتور عماد الدين خليل، يرى أن: (من الأسرار التي لا يعلمها إلا قليل من الناس أن أمريكا قد اكتشفت من قبل أن السودان كله يطفو فوق بحيرة كبيرة من النفط، لكنها لم تستخرجه، وتركته ليكون الاحتياطي الرئيس إذا اضطربت أحوال الخليج وأغلقت قناة السويس، وكان في خطتها أن تستخرجه وتمد أنبوباً يوصله إلى سواحل غرب أفريقيا ليشحن إليها بحرية عبر المحيط بعيداً عن المضايق، فجاءت حكومة الإنقاذ الإسلامي في السودان، وتحدت الإدارة الأمريكية، وبدأت في استخراجه قبل أوانه الذي حددته الاستراتيجية الأمريكية، ومن ثم كان الغضب الأمريكي على السودان. ولعل أمريكا بعد إنجاز حربها واحتلال العراق، سيكون أول بلد تصب عليه غضبها هو السودان، لوقف عمليات الاستخراج والاحتفاظ بنفط السودان كاحتياطي مستقبلي يوفر لها الطاقة).
إذن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بالاستثمارات النفطية في السودان من خلال حكومة موالية وصديقة. فلما ظهرت حكومة الإنقاذ الإسلامي في السودان عام 1989م، انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية ضده سياسة المواجهة طوال عهد (كلينتون)، ونشرت سياسية العنف وتجارة السلاح في السودان، واتهمته بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور، ومساندة الإرهاب، بل ساعدت على تكريس العداء بين السودان والدول المحيطة به كأوغندا وإريتريا وأثيوبيا، وقدمت دعماً سياسياً لا محدود للتجمع الوطني المعارض بزعامة (جون جارانج). ويبقى السودان بحسب دراسة أمريكية أعدها - ثمانية مستشارين للأمن القومي - قابلاً للتقسيم إلى ثلاث دول، حيث تقوم الفكرة على إنشاء دولة جنوبية نفطية غنية تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بالتكنولوجيا والسلاح، ودولة شمالية مرتبطة بمصر، ودولة في غرب السودان برعاية إسرائيلية. كل ذلك من أجل النفط الذي يستخرج منه العالم الصناعي (362) منتجاً ضرورياً للحياة المعاصرة، لاسيما أن هناك مؤشرات تراهن على أن بعض الدول الأعضاء في منظمة الأوبك ستنضب آبارها النفطية في المدى المنظور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.