مع تنامي التأكيد على مبادئ حقوق الإنسان في البلدان العربية والدول النامية، تشكّلت صورة ذهنية خاطئة لدى الرأي العام مفادها التعارض بين مبادئ حقوق الإنسان وبين شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ساهم في تشكيل هذه الصورة الآلة الإعلامية المعاصرة، بيْد أنّ المتفحّص لمبادئ حقوق الإنسان التي جاء بها الدين وبين هذه الشعيرة التي جاء بها الدين نفسه، يعلم أنّ هذه الشعيرة ما هي إلا أحد ضمانات حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وهو ما نصّ عليه الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان عام 1981م. ومن المعلوم أنّ الخارج عن طاعة الله وحدوده، كما أنه يضر بنفسه ويودي بها إلى الهلكة والشقاء في الدنيا والآخرة، فهو يضر بالمجتمع من حوله فنحن نأمره وننهاه حفاظاً على مصلحته أولاً وحفاظاً على مصلحة المجتمع ثانياً، فكل إنسان في هذا المجتمع يُعد لبنة من لبناته، فأي خلل في لبنات هذا البناء فإنه سيؤثر على بقيته حتماً، والإنسان ليس حراً يفعل ما يشاء ولو كان مضراً به أو بغيره، ومما يميز شريعة الإسلام عن غيرها من القوانين الوضعية التي تتفق على أن حرية الإنسان تنتهي إلى حد الإضرار بالآخرين، وأنه ليس له أن يحتج بحريته على أن يضر بغيره، فإنّ شريعة الإسلام تزيد أمراً مهماً يدل على كمالها ورحمتها بالخلق وأنها جاءت بتحقيق مصالحهم في عاجل أمرهم وآجله، وهو أن الشريعة تمنع الإنسان أن يضر بنفسه حتى ولو لم يضر بالآخرين، ولهذا منعته من الانتحار ومن أكل المال بالباطل ومنعته من فعل الزنا ولو كان بالتراضي، ومنعته من عقوق الوالدين وقطيعة الرحم وألزمته بالصلاة، مع أنّ المستفيد منها هو ولن يضر الناس شيء وألزمته بصيام رمضان كما ألزمته بقراءة القرآن والذِّكر في مواضع عديدة .. كل هذا من أجل مصلحة هذا العبد وضمان تحصيل السعادة له في الدنيا والآخرة، بحيث تطمئن نفسه وتتحسن معيشته ويحصل رضى الله سبحانه الذي يجلب له كل خير في دنياه وآخرته، فهذه الأمور تبين أنّ القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تتعارض مع حرية الإنسان، بل هي في الواقع تقيد حريته عما يضر به نفسه وما يضر بالآخرين من حوله فهي في الواقع وإن خالفت شهوته وإراداته الفاسدة، ولكنها تنتهي به في النهاية إلى تحقيق مصلحته وإسعاده في الدنيا والآخرة. ويمكن أن نجمل دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كأحد ضمانات حقوق الإنسان في تهيئة الجو المناسب الصالح الذي تنمو فيه الآداب والفضائل، وتختفي فيه المنكرات والرذائل، وتكوين الرأي المسلم الواعي الذي يحرس آداب الأمة وفضائلها وأخلاقها وحقوقها، كما يعمل على بعث روح الإحساس بمعنى الأخوة والتكامل والتعاون على البر والتقوى، واهتمام المسلمين بعضهم ببعض، إضافة إلى إزالة عوامل الشر والفساد من حياة الأمة الإسلامية، وإثبات معاني الخير والصلاح في الأمة الإسلامية، وحفظ الإسلام من البدع والمنكرات .. كل ذلك يبيّن دور هذه الشعيرة في تماسك المجتمع وانتظام أموره. [email protected]