أشارت أغلب الصحف المحلية والعربية وفي مقدمتها (الجزيرة) للزيارة السياسية التي قامت بها وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني لجمهورية فرنسا حيث استقبلها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، على خلفية العدوان الصهيوني الدموي على قطاع غزة، وكما كان متوقعاً فقد أبدت الوزيرة شكرها العميق للرئيس الفرنسي لأنه (تفهم الموقف الإسرائيلي)، وأنه مطلع تماماً على تعقيدات الوضع الجاري في المنطقة، والتهديد الذي تمثله (حماس) ضد إسرائيل. هذا الكلام لم يكن مفاجأة أو جديداً فمنذ قيام هذه الدويلة الخبيثة وهي تلقى الدعم غير المحدود سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإعلامياً من الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية، سواءً في حروبها العدوانية على دول المنطقة أو الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال الصهيوني، أو في جولاتها التفاوضية في ما يسمى ب(العملية السلمية)، لكن الجديد هو التصريح الذي تصدر الصحف العربية ووسائل الإعلام التلفزيونية عن هذه الزيارة الخاطفة، عندما قالت هذه الوزيرة الإرهابية: (إن الأمر لا يتعلق بمشكلة إسرائيلية بل إن إسرائيل تجد نفسها بشكل ما في خط الدفاع الأول عن العالم الحر، وهي تتعرض للهجوم لأنها تجسد قيم هذا العالم ومنه فرنسا). وبتقديري أن (ليفني) لم تكذب أو تزور الواقع لأن ذلك هو انعكاس طبيعي للعلاقة التاريخية بين إسرائيل و(الغرب) بشقيه الأمريكي والأوروبي، علاقة محكومة بإطار (قيم مشتركة) ذات دلالات ومفاهيم معينة، مغايرة تماماً للقيم الحضارية التي تعرفها الشعوب المتحضرة وتقبلها الفطرة الإنسانية السوية، نعم هي أشارت إلى (العالم الحر)، ولكن هذا العالم له مفردات خاصة تعبر عنه، ف(الحرية) ليست في تحرير الأرض الفلسطينية أو أية أرض محتلة إنما في أن يعيش المستوطن اليهودي منعماً على أرض فلسطين المغتصبة، و(حقوق الإنسان) ليست كما هي في ميثاق الأممالمتحدة البائس لأن تقرير الحقوق يأتي بعد تحقيق المصالح الغربية المتقاطعة مع المصالح الصهيونية التي تتم في مداولات مجلس الأمن حتى تمنى إنسان العالم الثالث أن ينال حقوق حيوان العالم الأول (الحرّ). لذلك لم يشهد التاريخ أن حكومة غربية سواء ً من الدائمين في مجلس الأمن أو الفاعلين على الساحة الدولية قد تبنت قراراً يدين إسرائيل رغم جرائمها على امتداد تاريخها الدموي، كيف يكون ذلك والدول الغربية هي أول الدول التي اعترفت بإسرائيل حال نشأتها عام 1947م، كيف يكون ذلك والدول الغربية تتفق في عقائدها السياسية وقيمها الحضارية مع إسرائيل، باعتبارها دولة الديمقراطية الأولى في الشرق الأوسط، خاصة ً أنها هي التي صنعتها وزرعتها في جسد أمتنا ورعتها بكل أشكال الدعم حتى نبتت في أرضنا كالشيطان. نعم لم تكذبي يا (ليفني).. فإسرائيل تمثل (العالم الحر) الذي يعكس قيم الغرب القائمة على استعمار الشعوب ونهب خيرات بلدانها وتبديل هويتها الحضارية، بدلالة أن الحكومات الغربية أيدت حصار إسرائيل لغزة، ثم انحازت لها في عدوانها الإرهابي، ويكفي أن رئاسة الاتحاد الأوروبي سبقت الحكومة الإسرائيلية نفسها في تبرير العملية العسكرية البرية لاجتياح غزة بأنها (عملية دفاعية) وليس (هجومية)، ولك أن تستشف حجم التواطؤ الغربي مع إسرائيل في مذبحة غزة من (اللقاء الحميم) الذي تم بين الوزيرة الإسرائيلية (ليفني) ووفد الاتحاد الأوروبي الذي يزور الأراضي المحتلة بما يوحي أنهما جبهة واحدة. نعم لم تكذب ليفني بحديثها عن العالم الحر لأن بقية شعوب العالم وبالذات العربية والإسلامية شعوب (همجية) ما لم تؤيد إسرائيل في عدوانها وتصبح من (حمير اليهود)، نعم لم تكذب الوزيرة فقتل الأطفال يُعد عملاً حضارياً ينتمي إلى قيم العالم الحرّ، فهذا العالم لن يتخلى عن تاريخه البغيض وسجله الأسود في (حقوق الإنسان)، لذا شاركت دوله في قصف أطفال العراق باليورانيوم المنضب، كما شاركت في قتل أطفال أفغانستان وهم نيام في قراهم أو وهم يلعبون في أحد الأعراس المكشوفة للطائرات المتحضرة التي صبت عليهم حمم نيرانها بدل الأغطية والوجبات الغذائية، وقس على ذلك أطفال لبنان في مذبحة قانا، والحال الدامي الذي يجري اليوم في غزة التي شيعت شهداءها، و(30%) منهم أطفال قضوا نحبهم بالسلاح الأمريكي الذي يطلقه إسرائيلي صهيوني يحمل تأييداً أوروبيا ً للذبح الجماعي.