انهمرت السماء بغزارة,. كأنها تبكي موت مشاعرنا,. كأنها تأسى كيف الانسان يمزق أشلاء أخيه,. كيف التاريخ يعيد قابيل وهابيل,. دون مبدأ,, أو نهاية قبر,. كيف الملامح تتصارع في ساحة الوغي,, بسلاح الانسانية,, تمزق وحدتنا لينتصر في الأخير شعور الهزيمة,. شعور الخوف من كل الأشياء,. ترتجف ملامحي وبشدة,, جدران ذاكرتي تهتز,. فالريح عاصفة,, والمطر غزير,, والجو بارد للغاية,. ذاكرتي كانت ملأى بقوارير عطر، كلها كانت ثمينة,. لكن أثمنها تلك القارورة التي انكسرت,, فانتشر عطرها سريعا كأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة؟! لكن هذا,, لم يحدث,, لقد دخل بقوة الى ذاكرتي,. انتشر العطر في أرجاء الذاكرة,, وظل زئبقي الحضور,, لرائحة كانت في القارورة,, والآن,, عطر بلا قارورة,. أشعر فقط بمعنى واحد,. ان الملامح التي تخذلنا,, لا نملك أن نخذلها,, نتمتم فقط ألماً,. لقد دمر التتار بغداد ,. وكسر الداخل اعلام الهزيمة في الاندلس ,. وهزمت كل مشاعر شجرة الدر على يد أيبك ,,! وخذل التاريخ عدة من الذين أوهموه بالاخلاص فتخلص منهم,, كله كان,, انني استقبل أحزاناً ستأتي,. موانىء مشرعة أبوابها,. وكل الأيتام في جزيرتي المهجورة,. يصطفون,, لاجراء مراسيم التشييع,. لقادم اسمه الفرح,. انني امتص احساس الهزيمة,, الخذلان,, التنصل,, النهايات,, السوداء!!! ** أقرأ,, حروفك,, مريم,, أعود اليها مجددا,, كأنها كتبت الآن, كأني في ذلك الزمان,, ذلك المكان,, وتلك الأمسيات التي,,!! ليلة كاملة قضيتها بالأمس مع حروفك,, أتمعن بها,, وأتذكر بشجن كل الذي كان,, أتمعن في بوحها الصادق,, وأقول يا الله,, كيف هو الصدق؟!! كيف يسكن الحرف؟! وينتشر عبقه في الروح تماما,, كياسمينة مخضرمة اعتلت أزهارها جدران الذاكرة,, والعمر!! أعود يا غالية الى حروفك,, أبحث بين سطورها عن معنى أعمق للحياة,, عن معنى ينقذنا من بلادة الشعور في كل ما حولنا,, ينقذنا من ذلك الزيف,, الذي يسكن الوقت,, من تلك الرتابة,, التي تسكن الوجوه,, من ذلك الخواء الذي يسكن نبل الانسان مع انسان مثله!! اكتب لكِ,, عندما تهزمني لماذا,, وتغرس اعلامها في كل شبر من أرضي,, لحظتها لا أملك الا,, أن أعود!! تقولين,, ان الملامح التي تخذلنا لا نملك ان نخذلها فقط نتمتم ألماً,. بالنسبة لي,, لم تعد المشكلة في تلك الحياة التي تخذلنا بمواقفها أو ملامح أناسها,, لقد أصبحت المشكلة,, عزيزتي في ذلك السؤال الكبير الذي نخرج به من كل ذلك,, ما الذي حدث للانسان؟! لماذا,, أصبحت صورة قابيل وهابيل,, مرسومة في الوجوه؟!! لماذا,, هنالك من يحاولون بأمانة تشويه روح الحياة؟! انني أحدثك مريم عن الانسان في صدقه ونبله,, أين هو من كل ما نراه ونسمعه الآن,, ونعيشه أيضا؟!! اتراه اختفى؟! أم انه يختبىء في مكان ما,, يشاهد بصمت ما لا يستطيع المشاركة فيه؟! يشاهد ما يعجز عن ممارسة الآخر,, والعطاء معه,, يشاهد ذلك الهروب المتعمد من الانسانية,, فقط من أجل اللحاق بركب الحياة؟! يشاهد ذلك النوع الهش من البشر, يتحدث عن العدل,, الفضيلة,, الخلق,, المبادىء,, القيم,, يتحدث عن تلك العواطف الانسانية في طيبتها وحنوها,, وعطائها,, واحترامها,, وصدقها,, ومكامن النبل فيها,, يشاهد كل ذلك,, فتغزو الابتسامة الساخرة صمته,, آه يا عزيزتي كيف يمارس هذا النوع من البشر,, الكذب,, بصدق لا يضاهى,, يلتهم ما أمامه وينام آمنا مطمئنا!! يشاهد ذلك الاحتفاء الهزلي,, بأعواد ثقاب مشتعلة,, وما أن تخبو أو تنطفىء حتى يبحث عن احتفاء هذلي,, أكثر صخبا,, لأعواد ثقاب,, قيد الاشتعال!! يحصي,, كم قناعاً شاهد هذا,, اليوم,, ويدون في مفكرته,, ,, قليلة هي الملامح,, التي تعيش الصدق,, وترفض ان تدخل لعبه الأقنعة حتى تصبح جزءاً منها فيما بعد,, ويصبح البقاء,, لمن يحافظ على أقنعته مدة,, أطول !! تقولين لي,, يا غالية,, ما الذي حدث؟ أي حزن يسكن في الكلمة/ الصدق؟ وأي كبوة اصابت جواد الضحكة,, والمرح؟! ليطمئن فؤادك,, على رفيقة الحرف,, والعمر,, إنه فقط نزف جمجمة ,, يمنحها الحرف,, عن جدارة,, العودة,, الى الهدوء بمنح جواد المرح لديها,, عمرا جديدا!! إليكِ,, بعد غياب,. أصدق الملامح,, هي تلك التي تعيدنا دروبنا إليها,, تصبح لنا الشاطىء والمرساة,, نسرد لها حكايا هذا العمر الذي نعيش,, ونغفو بين يديها,, كأن لنا الدنيا!!