لم يخرج أطفال غزة صباح القصف ليستقبلوا العام الجديد كباقي أطفال العالم بثيابهم الجديدة، يحملون أكياس الحلوى والدمى، تملؤهم الفرحة والبهجة، بل خرجوا من منازلهم فزعاً وخوفاً من أن تنهار فوقهم أسقفها كسفا كسفا؛ لأنهم أدركوا على الفور أن تلك التي أنارت سماء غزة وزلزلت أرضها لم تكن ألعاباً نارية بل قذائف وصواريخ العدو المحتل الذي استهدفت آخر رمق من العام الذي أوشك أن يغادر حاملاً معه شبح هذا الغول الذي اغتال البراءة والحياة في فلسطينالمحتلة. لم تكن تلك موسيقى ألعاب أطفال فلسطين ولا أنغام مزاميرهم، بل كانت صوت صافرات الإنذار وعربات الإسعاف التي هرعت إلى المكان تنقل جثث الأحبة. يا الله.. كيف لهذه الطفولة، وهذه القلوب الصغيرة أن تنبض بكل ذلك الحزن وتلك المرارة؟! كيف لتلك العيون البريئة أن تشهد كل هذه الكوارث، وتؤرخ لهذه المذابح وهذه الكوابيس النهارية الفظيعة؟!! كيف لهذا الإنسان الذي أقسم الله بقدسية روحه أن يغتال بهذه البشاعة على مرأى من منظمات حقوق الإنسان وهيئة الأممالمتحدة والمنظمات الدولية حتى لحقوق الحيوان الذي صار أغلى بكثير من الإنسان؟؟.. احترقت غزة.... من يطفئها.. من يطفئ سماءها وأرضها؟؟ هواءها وبحرها، يركض موجها مدا كي لا يشتعل باليابسة، يحبل الغيم بدخان حرائقها فييبس المطر، تتجهم السماء، فتختنق اليمامات وتموت النوارس وتسقط أغصان الزيتون. تهرب الطفولة من أحضان اليُتْم إلى باحات الموت، والدماء يغرق بها كل شيء.. يضيق المشردون في الأرض بكوابيس اليقظة؛ لأن الحقيقة تصبح كابوساً أشد قسوة وأكثر بطشاً. تستفيق غزة على نحيب الموت.. وفحيح الغازات السامة، وزئير الدبابات.. وينام ويصحو الأطفال مثقلين بذاكرة الألم، التي تعرف طريقها جيداً إلى مستقبل يحده من كل الجهات جدران عازلة عن الحياة.. وأسلاك شائكة.. ومستقبل مقروء مسبقاً. لا يرسم طفل فلسطين شمساً فوق ما تبقى من كراسته بعد القصف وبعد أن لاكتها أحذية الدبابات.. لأنه يخشى أن تتحول الشمس قنبلة موقوتة لنهار مليء بالمآسي.. لا يرسم زهراً ولا ورداً وياسميناً.. لأنه يخشى أنها أكاليل القبور والموتى.. لا يرسم الحلوى لأنه لا يعرف طعمها، والدكاكين أو ما هو باق منها لا تبيع إلا حبوب العدس قوته اليومي والطحين الأسمر ودواء تعقيم الجروح. لهم الله أطفال غزة.. لهم الله. لهم البشارة بالنصر.. وأحلام تعانق سروات شامخة إلى الشمس، وذكريات ذات أصول ثابتة كجذع زيتونة وقورة متشبثة بفلسطينها. لهم دعاؤنا بالفرج.. ولنا فخر صمودهم.. ومجد بطولاتهم وصبرهم.. وشرف ثباتهم.. آخر البحر.. احترقت غزة.. نادى البحر النائم فوق ضفاف الموت: احترقت غزة.. اختنق الصوت الخارج من مئذنة بيوت الله رحلت شمس اليوم تؤوب لمخدعها دمناً يسفكه الغاصب صبحاً وعشياً لكن.. نتوضأ من دمنا في الليل ونصلي من أجل طلوع الفجر.. [email protected]