كثيرون أولئك الذين يعلنون عداوتهم للشيطان، وكراهيتهم وبغضهم لكل ما يمت له بصلة، ويتعوذون منه في الصباح وفي المساء، ويتبرأون من كل ما يدعو إليه من قريب أو بعيد، ويحذرون كل الحذر من الوقوع في حبائل مكائده ومغرياته، ويحذرون من اتباع سبله وخطواته، والوقوع في شراك مصائده، أو التحلي بأي صفة من صفاته البغيضة الكريهة. ولا غرو أنهم بهذا النهج محقون مصيبون، وأن نهجهم هذا يتوافق مع هدي الله، فقد حذرنا الله من اتباع سنن الشيطان وخطواته، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (سورة البقرة 168)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (سورة البقرة 208) العاقل يدرك أن للشيطان طرقه وحبائله التي يستهوي بها أتباعه إلى الغواية، وأساليبه التي يغري بها ذوي النفوس الضعيفة، حيث تقوى النفس الأمارة بالسوء، وتقود صاحبها إلى مواطن الهلاك والفساد، وللشيطان أعوان يدعون بإصرار واستمرار إلى اتباع ما يدعو إليه ويشجع عليه، من تحليل وتحريم، وبدع ومعاصي، وتفريق بين الناس، ببث الفرقة بينهم والعداوة والكراهية والبغضاء، والتمييز والتحقير، ووضع الناس في سلالم وهمية من الأهمية والقيمة، ومن أعجب ما رشح في هذا الشأن، ما قيل من أنه يحق لصاحب (الشأن) أن يطعن في شهادة من يعمل في أعمال الصرف الصحي، وأن يرفض شهادته، على اعتبار أن العمل في هذا المجال يعد من الأعمال المستقذرة، وهذه نظرة حولاء، فما يدري هذا القائل، فقد يكون العامل في هذا المجال أقرب إلى الله وأطهر من كثير ممن يتربع على كراسي الأعمال التي تعد محترمة مقدرة، خاصة أولئك الذين يستسيغون أكل لحوم الناس، ويتكبرون عليهم، ويسوغون السرقة والكذب، ويسعون في التفريق بين الناس، وأكل الأموال العامة بغير حق. إن هذه المقولة وما يماثلها من المقولات غير المسئولة، تثير الفتن والكراهية والبغضاء، وتحط من كرامات الناس وتحقرهم، وتحبط النفوس وتوهنها عن السعي في الأرض وإعمارها، على الرغم من أنه لا قيمة لهذه الأقوال ولا وزن، لاسيما وأن الدافع لها قد يكون العجب بالنفس، أو التكبر على الآخرين، أو حب التطاول عليهم، ورحم الله المأمون حيث قال: (ما تكبر أحد إلا لنقص وجده في نفسه، ولا تطاول إلا لوهن أحسه من نفسه)، ويقال: (الكبرياء تقيم براحة في الرأس الفارغ) والمثل الإيطالي يقول: (المغرور ديك يعتقد أن الشمس تشرق كل صباح لكي تستمتع بمهارته في الصياح). ومن العجائب المستجدة، تنامي ظاهرة شاذة تتمثل في حرص البعض من المنتسبين إلى فئة كريمة عرفت بعزوفها عن الظهور الإعلامي، حيث يحرص هؤلاء على أن تتصدر صورهم صفحات الصحف، مذيلة بآراء وتعليقات وتفسيرات وأحكام غريبة عجيبة، لا حكمة ظاهرة منها، ولا قيمة علمية أو فائدة مرجوة، بل كل ما علم منها وتبين أنها تخلو من أية قيمة ومعنى، سوى الإثارة والبلبلة، وإظهار ذات المتحدث وصورته البهية في الصحف، وعلى ألسنة الناس في المجالس والمنتديات، وهذه الخصلة الذميمة تتنافى مع سمت الفئة التي ينتسب إليها هؤلاء المغرمون بالظهور الإعلامي، ومن غرائب الأمور أن هذه الفئة المغمورة، تعد نفسها من ذوي الرتب العالية علميا، ولو كانت كذلك لما خاضت في أمور تفضي إلى إثارة الكراهية والبغضاء، وتحقير الناس والتقليل من شأنهم، وإلى زعزعة السلم الاجتماعي واستقراره، وتثبيط الناس عن العمل، وهذا ما يحرص عليه الشيطان وأعوانه، فإياك أن تكون من أعوان الشيطان الذين يظهرون عداوته في العلن، ويجارونه في اتباع سبله وحبائله بالقول والفعل.