للناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل اسهامات متميزة في مجال النقد الأدبي تتسم بعمق الرؤية وسعة الأفق الثقافي منها منهج الواقعية في الإبداع الشعري، بلاغة الخطاب وعلم النص، نظرية البنائية في النقد الأدبي الذي أثار ردود أفعال متباينة، وقد تنقل د, فضل ما بين الواقعية والبنائية والتداولية عبر مسيرة نقدية ممتدة زاخرة بالدراسات والأبحاث والمشاركات الفعالة على الساحة النقدية المصرية والعربية وتقديرا لعطائه نال الدكتور فضل مؤخرا جائزة الدولة التقديرية بمصر. التقته الجزيرة في هذا الحوار الذي تحدث فيه عن النقد ودور الناقد وكيفية حل الأزمة التي طالت بين المبدع والقراء ومستقبل الحركة النقدية العربية. * يحمل الناقد جزءا كبيراً من الهموم الثقافية العامة فماذا يشغلك في الفترة الحالية؟ على وجه التحديد اجدني حاليا متورطا في عدة مشروعات ثقافية وجامعية ونقدية، على المستوى الثقافي اساهم ضمن لجنة علمية في اخراج موسوعة اعلام العلماء العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة واتولى الجزء الخاص باعلام اللغة والأدب والنقد والدراسات المتصلة بها. واتمنى أن يبدأ اصدار الموسوعة بعد عامين,, وتستمر حتى تستكمل بقية الاعلام إن شاء الله, لكن الهم الشخصي يتصل على وجه التحديد بمتابعة تيار من النشاط النقدي بدأ منذ عقدين من الزمان وأجدني مضطرا لضرورة تنميته والإضافة إليه، ويتمثل في تتبع منظومة من العناصر المنهجية المتجانسة التي تتوالد باستمرار في الفكر النقدي العالمي, وتكثيف طبيعتها لكي تتفق مع طبيعة ثقافتنا العربية بحاجاتها الداخلية وابتكار المركب الجديد الذي يتعين على الناقد أن يصوغه وهو يؤالف بين تيارات مختلفة لكي يرسم استراتيجيته الفكرية والملائمة لثقافته ولظروف البنية التي يعمل على تحديثها, هذا المشروع مركب وعسير، وقد انتبهت الى أن هناك فراغات علينا ان نملأها، فالأدب لم يعد هو الأدب المقروء فحسب ولكن جد ما يمكن أن نطلق عليه أدب المنظور وهو ما نشاهده في التلفزيون والفيديو، خاصة الدراما التلفزيونية، والنقد العالمي الذي كرس للدراما التليفزيونية من قبل المتخصصين مازال قليلا لأن جماليات هذه الدراما التي تستفيد من فنون السينما والمسرح ومن الجماليات البصرية بصفة عامة مازالت رهن التكوين. واعتقد أن من مواجبنا في النقد العربي ألا نتكاسل عن اختراق هذا الميدان بأبعاده الفلسفية والفكرية والتحليلية لأن هذه الدراما التلفزيونية تمثل تحديا جديدا للفكر والثقافة العربية والإنسانية. دور أساس * أين دور الناقد في متابعة الاصدارات الأدبية الجديدة؟ موجود بالطبع، وهو أحد الشواغل الأساسية، حيث اتابع الإبداع الأدبي العربي، من قصص ورواية وشعر ومسرح ومحاولة إبراز أهم العلامات المميزة فيه وتوجيه حركته بشكل غير مباشر بما يتعين على الناقد أن يقوم به بطريقة منتظمة وباستراتيجية واضحة، فالنقد رسالة ولابد له أن يدرك طبيعة الإبداع والظروف المحيطة به، وعمليات الانتاج والتلقي وحاجة المجتمع لاصناف معينة من الإبداع، وأظن أن الثقافة العربية كانت متخمة بالشعر عبر عصور طويلة، لكنها اكتشفت اشكالا جديدة في القصة والرواية والمسرح, ومازال النقد يتأسس عربيا وعالميا في هذه الأشكال, وعربيا على وجه الخصوص ويحتاج الى جهد تنظيري وتطبيقي كبير من النقاد، والناقد العربي مطالب ألا يكون اقليميا محصورا في منطقته وبيئته التي نشأ فيها، إنما ينبغي أن يتابع التراكمات العربية، فالإلمام بالخارطة الإبداعية العربية على تقاطعاتها وعدم سهولة التواصل فيما بينها، يكلف الناقد المجد مجهودا حقيقيا. * كيف يحدث هذا, وعلى وجه الدقة ما هي استراتيجيتكم في القيام بهذا؟ أحاول بقدر الإمكان رؤية المشهد كاملا، فلا اقتصر على الدائرة الضيقة التي اعيشها, احرص على التواصل مع كبار المبدعين العرب عبر اللقاءات والمؤتمرات والمراسلات والاهتمام بهم والكتابة عنهم، وهم بدورهم عندما يتوسمون في ناقد من النقاد هذا,, يبادرون أيضا للاتصال به، وأنا اتلقى دوريا تقريبا انتاج عدد ضخم من المبدعين من أعمال شاعرية وقصصية وروائية واحاول أن أمنحها كل الاهتمام واحتضن ما يستحق الاحتضان. هذه المتابعة مسألة جوهرية جدا، وأجد أنها جزء حيوي كذلك يوجد تيار نقدي ساهمت في تواجده على المستوى العربي خلال العقدين الماضيين,, وهو النقد الحداثي العربي، وبالرغم من الضراوة التي هُوجم بها هذا التيار، ومن التجني عليه ومن الاعراض على قراءته ومن اتهامه بالتغريب ومجافاة الثقافة العربية والعدوان إلا أنني اعتقد أنه التيار الذي نجح في إعادة قراءة التراث الإبداعي والنقدي العربي فمن لا يملك هذا المنظور لا يستطيع أن يعيد قراءة شيء ويظل كالببغاء. * في هذا السياق من هم النقاد الذين تحرص على متابعة كتاباتهم النقدية؟ كوكبة النقاد المجددين عموما من رفاق مسيرة التحديث للفكر النقدي العربي، اتواصل معهم بصفة دائمة في اللقاءات والندوات، ونتبادل الكتب، ولا احبذ ذكر أسماء حتى لا اغفل أسماء، فيغضب مني أصدقائي الذي يتوقعون أن أقرأ لهم ما يبعثون به إلي، وإن كنت أقول ان النقاد العرب الذين يتحركون في الفضاء النقدي لا يتجاوزون عشرة أسماء، وهذا في حد ذاته رقم حسن يستوعب الكثير، لأن طبيعة النقد في كل العصور يمارسه قلة، وإن كان يكتبه كثيرون. معارك نقدية * لازالت تثور بين آونة وأخرى معارك نقدية مع اختلاف التيارات والاتجاهات, فيما اختلفت طبيعة المعارك النقدية الآن عما كانت عليه في العقود الماضية؟ المعارك النقدية السابقة الاحظ عليها أنها كانت شخصية تدور حول الأفراد، والمطاحنات حول إنجاز هؤلاء الأفراد، ولم تكن تستخدم فيها الجوانب الفكرية أو الأيديولوجية إلا بشكل غير مباشر, وكانت تكال فيها التهم للأفراد أما الآن فاعتقد أن لغة النقد ارتقت في العقود الأخيرة واصبحنا نشهد الى درجة كبيرة تحاشيا للتجريح الشخصي ولكن وقعنا في شيء خطير وهو التعميم فنجد من يطلق الأحكام العامة دون تمييز، فيقول مثلا ان النقاد الحداثيين كلهم مستغربون، أو كلهم ينحون إلى أن يغيروا الثقافة العربية لكي تفقد هويتها وهذه التعميمات خاطئة وغير صحيحة، لأن منطق الثقافة العربية دائما أنها لا تزدهر إلا بالتلقيح الخصيب، ولا تتوالد إلا بالتجنيس الجيد، ولا تنتج شيئا جديدا في فترات العزلة والضمور والانحسار، وانما تشهد عادة أجمل فتراتها عندما تتلاقى بشكل قوي وعميق مع التيارات العالمية. * لماذا الناقد دائما محصور في دائرة الاتهام, تارة انه يبذل جهده في النقد التطبيقي وتارة أخرى انه يتبنى مناهج غربية وتارة ثالثة يوغل في الغموض؟ هذه التهم تتردد بالفعل,, وقد تصدق على كثير من النقاد لكني اعتقد أن الناقد الذي يدخل الى ضمير أمته وثقافتها ويستطيع أن يحصل على مقروئية عالية ومصداقية حقيقية في أوساط عديدة لابد له أن يتجاوز هذه الاتهامات. والناقد لا يملك اعمارا مضاعفة ولا وقتا سحريا حتى يستطيع متابعة كل ما يسطر، لكن عليه أن يختار، والشكوى من أن النقاد لا يتابعون، شكوى حقيقية لأنهم لا يستطيعون متابعة كل شيء، ولأنني أنا شخصيا عندما اختار عملا، يكون اختياري هذا بمثابة حكم قيمي عليه, فالأعمال التي لا اختارها بالتناول النقدي، وأكون قد قرأتها,, السكوت في هذه الحالة له معناه أيضا, لأنه لا ينبغي تجريح المبدعين,, والناقد ليس فتوة يمسك العصا وينهال بها على كل من يلقاه في الطريق,, لكنه يبرز الظواهر التي يرى أنها تستحق، وأنا اعتمد أيضا على ناقد آخر أكبر وأقدر مني بكثير وهو الزمن . * د, صلاح,, فزت العام الماضي بجائزة البابطين والعام الحالي بجائزة الدولة التقديرية,, اعتقد أن حظك الذي كان معكوسا في الجوائز كما قلت من قبل قد تبدل,, ما رأيك الآن؟ نعم أظن أن حظي مع الجوائز قد بدأ يتحسن الآن,, وكانت البداية عربية,, فقد فزت بالبابطين ثم جائزة الدولة التقديرية حاليا واشعر أنني أخذت أكثر من حقي.