كنتُ والزميل الدكتور عثمان عبده هاشم نائب رئيس تحرير عكاظ في العام الماضي نزور مدينة تونسية هي مدينة (سيدي بوسعيد)، هذه المدينة الجميلة التي يقصدها السياح ويختارها الكُتّاب الأوربيون والسياسيون لقضاء إجازاتهم وكتابة إبداعاتهم الأدبية، حيث كتب الأديب الإيطالي العالمي البيركامو أجمل مسرحياته عند إقامته في المدينة، حيث كان يمتلك منزلاً على ربوة تطل على مياه البحر الأبيض المتوسط، وكتب السياسي الإيطالي برونو كرايسكي مذكراته في أحد منازل المدينة التي تشتهر بجدران منازلها البيضاء وشبابيكها وأبوابها الزرق، فبدون أي قرار رسمي وحّد أهل المدينة ألوان مدينتهم، فلا تشاهد سوى خضرة الأشجار وبياض المنازل وزرقة البحر والشبابيك والأبواب. أجمل ما في المدينة أسواقها المرصوفة أرضيتها بالحجارة التي هي عبارة عن شوارع خصصت للمشاة، حُوِّلت عنها مسارات السيارات، وتُركت الشوارع التي تحولت إلى أشبه ببازار مفتوح حوّل المدينة إلى مقصد سياحي رائع. تمييز المدينة وشوارعها المخصصة للمشاة وتطويرها من قِبل (التوانسة) جعلني وأنا أتجول في المدينة وأشرب الشاي الأخضر المحلي والمطعم بالصنوبر واللوز في المقهى الذي يشغل قمة أعلى ربوة في المدينة.. جعلني أتذكر خبراً قرأته عبر الإنترنت عن جهود أمانة مدينة الرياض في (أنسنة الرياض)؛ ففي البداية جذبني العنوان (أنسنة الرياض).. وأخذت أقرأ، وعرفت أن المقصود هو جعل مدينة الرياض صديقة للإنسان وحاضنة له، وبالتالي فالمدينة مثل كل المدن عادة تكون من أحجار وأسواق وشوارع ومنازل وأشجار - إن كانت هناك أشجار - وجسور وغيرها من الأشكال الجامدة.. ولهذا فإن الناس ينتهزون أية فرصة للهروب من المدينة إلى الريف والصحراء وحتى البحر لكسر روتين المدن. والأنسنة التي أخذت بها أمانة الرياض هي تحويل المدينة العاصمة إلى صديقة للإنسان، واحتضانه بإشعاره بإنسانيته. البداية كانت بإنشاء وإقامة ممرات، وتحويل شوارع للمشاة فقط، وتحويل هذه الممرات إلى أماكن جميلة تخدم الإنسان والبيئة معاً من خلال إحاطة شوارع المشاة والممرات بحقول من الأزهار تحفها الأشجار والنخيل. الشيء الذي أقترح إضافته هو إقامة نافورات حتى يكون الماء عصب الحياة حاضراً في لوحة أنسنة الرياض التي بلغ امتدادها حتى الآن 29 كيلومتراً، تنتشر في أحياء العاصمة كانتشار شرايين الحياة في أجمل مدينة تنمو وتكبر وتتطور بسرعة. [email protected]