العبارة قول الأصمعي: أشعر قبيلة الزرق العيون في أصول العضاة يعني بني قيس بن ثعلبة والدلالة: أن زرقة العيون ليست نادرة في العرب، فقد تعم قبيلة، كما في بني قيس بن ثعلبة من بكر من العدنانية، وفي قريش من يتصف بزرقة العيون، وفي بني ضبة رجال اتصفوا بتلك الصفة، قال أحد الشعراء في رجل من بني ضبة: لَقَد زَرِقَت عَينَاكَ يابنَ مُكَعبَرٍ كَماَ كُلُّ ضَبيٍّ من الُّؤمِ أزَرقُ والزرقة في العيون خُضرةٌ في سواد العين، وقيل هو أن يتغشى سواد العين شيءٌ من البياض, وإذا كانت الفتيات يتسابقن اليوم في لبس العدسات الزرق من أجل الزينة، فإن ذلك راجع إلى ضعف العرب وقوة من يتصفون بزرقة العيون، فلو رجعنا إلى قيّم العرب في الجاهلية، ومقاييس الجمال عندهم، لوجدناها تغض من زرقة العيون، ولا تفضلها، سواء كان ذلك في الرجل أو في المرأة، فالشعر لم يحفظ لنا إشادة بجمال المرأة من أجل زرقة عينيها, ونعود إلى القبيلة التي اشتهرت بزرقة العيون في العصر الجاهلي، وهي قبيلة بني قيس بن ثعلبة، فأقول: إن تلك القبيلة من قبائل بكر المعدودة، وقد عرف منها شعراء، وأسر ذات تأثير، فمن شعراء هذه القبيلة التي اتصفت بتلك الصفة: المرقش الأكبر وهو عمرو بن سعد بن مالك بن ضبيعة، والمسيب، بن علس، وعمرو بن قميئة بن سعد بن مالك، والمرقش الأصغر وهو ربيعة بن قيس بن سعد بن مالك بن ضبيعة، وطرفة بن العبد بن سفيان بن سعد بن مالك بن ضبيعة صاحب المعلقة التي وضعها كثير من الرواة بعد معلقة امرىء القيس، والأعشى ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل بن عوف بن سعد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة صاحب المعلقة المشهورة: (ودع هريرة إن الركب مرتحل والملقب بصناجة العرب، لحسن تغنيه بشعره ولقوله: وَمُستَجِيبٍ لِصَوتِ تَسمَعُهُ إِذَا تُرَجِّعُ فيهِ القَينَةُ الفُضُلُ والمشهور بسيرورة الشعر، ولذلك استطاع شعره أن يزوج ثماني فتيات أخوات في يوم واحد، فقد كان الأعشى سائراً في صحراء نجد متجهاً إلى سوق عكاظ، يقود ناقته ابنه بصير فإذا بالمحلق الكلابي يأخذ خطام الناقة من ابنه بصير، فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ فجاءه الجواب: المحلق الكلابي, فقال الأعشى: شريف كريم، وقاد المحلق الناقة إلى منزله، وأناخها، وأجلس الأعشى في بيته، ثم نحر له ناقة، وأخذ كبدها وشيئاً من سنامها وأنضجه ثم قربه إلى الأعشى مع قهوة أهل الجاهلية (الخمر) فسقاه، وقد أحاطت بنات المحلق بالأعشى، فقال: ما هذه الجواري حولي؟ قال المحلق: بنات أخيك, وبعد هذه الضيافة واصل الأعشى رحلته إلى سوق عكاظ، وألقى فيه قصيدته في المحلق، فتسابق الناس إلى خطبة بنات المحلق في يوم واحد. وقبيلة بني قيس بن ثعلبة تسكن في منفوحة، البلدة المعروفة في جنوبي مدينة الرياض اليوم، وفي الخرج، وقرى اليمامة عامة وفي الأحساء، وقد عرفت منفوحة في الجاهلية أنها لبني قيس بن ثعلبة,, ومن أسر منفوحة في الجاهلية: آل قيس بن جندل؛ وهي أسرة الأعشى، وآل جُهُنَّام، وجهنام خصم للأعشى، وهو الذي يقول للأعشى: أَبُوكُ قِتَيلُ الجوُعِ قَيسُ بن جَندَلٍ وخَاَلُكَ عَبدٌ من خُمَاعَةَ راَضِعُ وقد رد عليه الأعشى بقصيدة منها: دَعَوتُ خَلِيلي مِسحَلاً وَدَعَوا لَهُ جُهُنَّامَ جَدعاً لِلهَجِينَ المُذَمَّمِ وآل عمرو بن المنذر، وآل عمير بن عبدالله بن المنذر، وبنو عبدان فهذه الأسر التي سكنت منفوحة في العصر الجاهلي، وفي أول ظهور الإسلام خلت منها منفوحة اليوم، فلانجد في منفوحة اليوم أسرة تنتسب إلى بني قيس بن ثعلبة الذين عرفوا بزرق العيون,, ومن المعروف أن الأسر التي تقطن منفوحة اليوم، ومنها، آل سعيد، والمزاريع، وآل سحيم، وآل غنيم، وآل سرحان، وآل سالم، وغيرها من الأسر الكريمة لا تنتسب إلى بني قيس بن ثعلبة، فهذه القبيلة التي اشتهرت بتلك الصفة ليست في مساكنها المعروفة قديماً، فمنها من بقي في الجزيرة العربية، ومنها من انتقل إلى العراق,, والذي نرغب في الوصول إليه أن زرقة العيون لا تخص الروم وحدهم، فالعرب يشاركونهم في تلك الصفحة. د, عبدالعزيز بن محمد الفيصل