جزاه الله خيرا، وأحسن الله إليه ذلك الذي قال بالإعجاز العلمي في القرآن الكريم. ولكنّ المعجزة الكبرى لا يُستدلُ على إعجازها بما هو أقل وأكثر ضآلة، كما أنّ نسبة المتغير إلى الثابت لا تحقق الهدف ولا ترمي إلى القصد. والاستشهاد بأحدهما من خلال النسب لا يستند إلى تكافؤ ولو بالحدّ الأدنى؛ فكل إشارة أو معنى كوني أو علمي في القرآن له صفة الثابت المثبت بعلم الحيّ القيوم، بينما كل ما جاء به العلم قابلٌ أن يتطور أو يتغير أو لا يكون له مفعول ومعنى. فالقرآن الكريم وهو آخر ما أنزل الله - عزّ وجلّ - وارتضاه لعباده تشريعاً ونوراً ومرشداً لا يجوز توزيع آياته البينات على إعجازٍ في اللغة أو في الفقه أو ما شابه ذلك، فهو معجزة النبي الأميّ- صلى الله عليه وسلم-، كما أنّه منهاجٌ للحياة وسبيلٌ للآخرة، فلله العزة والجلال إذ حفظه لنا، وهو سبحانه خير الحافظين. وما يقال عنه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مَنْ المُخاطب به، وما الهدف؟ إنّ في إبراز الآيات الكونية وما له علاقة بالعلم بشكلٍ مستقل دون نسب لكافٍ لذوي الأبصار. وكلُّ من يعنيه ما جاء به العلم، وهو ثابتٌ في القرآن الكريم لقادرٌ أن يقارن ويبحث كما يشاء، أما المسلمون المهتدون بهديه فلا حاجة بنا إلى هذا النسب المختل وغير المتكافئ. وإبرازُ عظمة الخالق سبحانه والدعوة إليه لها وسائلها ورجالها، والحمد لله أنها تحقق الكثير، وللدعوة مناهج سنّها الجهاد والمجاهدة والقدوة الصالحة فلا أظن من خلال ما يقال عنه الإعجاز العلمي في القرآن إننا نفتح باباً ومدخلاً رحباً على الإسلام من خلال هذه المقارنة، إنّه ديننا وأسمى ما في حياتنا فكيف لنا أن نرضى بهذا الخلط الرديء بين معجزة الحياة ومنهاجها المستقيم، وبين فروع من هنا وهناك. إنّ تطابق المعنى أو النتيجة سابقٌ بأثره الهادئ المنير؛ فهو في غنى عن هذا الزاد الذي بلا زاد، فلنقدس المقدس وننأى به عن السوء من كتبٍ وفضائيات. أليس في القرآن الكريم، وبنوره وهديه وما أحلّ وحرّم الأمن والسلام للنفس، والعدل، وأنقى نوع من الحياة؟ أليس بنورٍ لنا وللحياة؟ إنّه أغلى وأثمن من نسب المعجزة أياً كانت. هذا الكون الواسع بكل ما خُلق فيه أنُدللُ عليه ونبرزه بورقةٍ هي اليوم خضراء، وغداً صفراء حتى تتكسر بين الأصابع، فالكون مليء بالدلائل عليه، والدليل منه وإليه، وفي جوفه منارة المهتدين. إنّ هذا النسب اجتهادٌ غيورٌ ولكنّه غير موفق؛ فالقرآن الكريم كلام الله، وهو هدى للمتقين {آلم (1)ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}. ولا يثبته أن يتطابق أو يتشابه مع العلم، فذلك لا يضيف ميزة للقرآن الكريم بعدما جاء فيه، ومن ثم ما اكتشفه الإنسان وما زال جاهداً في سبيل ذلك؛ فلا يمكن أن نغري به أحداً وفق منهاج الإعجاز العلمي في القرآن سواء تطابق أو تشابه، فهو محصلةٌ لجهدِ مخلوقٍ كلنا نعلم محدودية القدرة لديه. والعلم سخر الله لنا وسائله وطرقه فاكتشفنا بعضاً منه، والمستقبل يلحّ بالمزيد ولكنّه جهد المخلوق أمام العالم الحكيم المقدر والمنشئ لما يريد، وهذا الجهد من صميم عمار الأرض الذي به نحن مكلفون، وما نرمي إليه من هذا الإعجاز يحمله الإنسان في نفسه وجسده . إنّ في وظائف الأعضاء ما يدعو الإنسان لرحاب الإيمان لو تأمل وفكر، كما أنّ في أمراضه وصحته لعبرة تنقله من كفرٍ إلى إيمان، فوسائل الهدى متعددة، أما القرآن الكريم فهو المعجزة الكبرى التي تستمد قوتها ونفاذ مفاعيلها من علم الحكيم العليم. والمهم أن تصل بصيرتها وما يفسرها إلى من نتوجه إليه بالهدى والنور واليقين، والله الموفق.