تدفع وسائل الإعلام بالأجندة الأخلاقية التي تسعى مؤسسات المجتمع لبلوغها وفرضها كقيم يقبل عليها الناس إثر اقتناعهم بها وإدراكهم لأهميتها، باعتبارها ضابطاً أمنياً وحارساً للفضيلة التي يحلم كل مجتمع أن يتصف بها، ولو لم يتحقق له كامل الحلم إلا أن سعيه الدؤوب لاكتمال أخلاقه يحقق له نسبة جيدة من الطمأنينة الأخلاقية. ** الأخلاق ذاتها هي حارسة الفضيلة.. وكلما بدت القيم الأخلاقية عالية ونبيلة واحتلت مرتبة عليا في سلم تقييم الأفراد كان المجتمع ولا شك فاضلاً.. على أن القيم الأخلاقية ليست مرتبطة بالشكل فقط - على أهميته - كأيقونة وعلامة تدلل على صاحبه.. لكن الاكتفاء بالصورة الذهنية المتداولة يجعل من الشكل وسيلة رخيصة يتخذها الأدعياء والأفاقون لنيل تفوق اجتماعي ومادي وفكري أيضاً. وقد مرَّ مجتمعنا السعودي بأزمة حقيقية جعلته يفقد منهجيته التي توارثها من الأجيال، والتي تعلي من قيمة المخبر وتدني من المظهر.. (الناس مخابر وليست مظاهر). ** هذه المنهجية في التقييم اختفت خلال العقدين الماضيين واستبدلناها بالمظهر ثم المظهر ثم المظهر، أما المخبر فأمره موكول إلى الله سبحانه. والحقيقة ان المخبر تترجمه السلوكيات والتعاملات والنأي عن الفساد المالي وعفة اللسان ويقظة الضمير وعدم الرضا بالخطأ أو السكوت عليه..!!! ** ولع بعض أفراد المجتمع بالمظهر التقليدي المحدد في الذاكرة بأنه مؤشر صلاح وتقوى إبان مرحلة الصحوة الدينية، والإقبال عليه من البعض ليس اقتناعاً به بل توسلا عبره للحصول على امتيازات معينة.. أدى هذا التكسب إلى ظهور جيل تالٍ ينفر وبطريقة عكسية من هذا المظهر ويبالغ في الابتعاد عنه.. (زيارة لمراكز التسوق الكبرى تودع في قلبك الرعب من هذه الفجوة)!! ** اجتاحت مجتمعنا اليوم صحوة أكاديمية شرهة جداً الكل مولع بأن يحمل حرف (الدال)، حتى لو اشترى الشهادة من أقرب بقالة في حي (المرسلات).. أو بلاد الواق واق! ** القيم الأخلاقية التي تجعل من الشكل قيمة في ذاته سواء عبر الثوب القصير أو عبر حرف الدال الصقيل.. كلاهما يحملان دلالات ومؤشرات على أن منهجية المجتمع وسلمه القيمي ما زال متوقفاً عند حدود (الشكل - المظهر) وغير قادر على العودة إلى ما كان عليه أهل هذه البلاد الذين كانوا أكثر حكمة في تجاوزهم الشكل إلى حيث ما ورائه. أرأيت الرجل يتقدم لخطبة ابنته شاب.. فلا ينظر لثوبه ولا لحرف الدال قبل اسمه ولا لكشف حساب مصرف من البنك. إنه يعرض عليه السفر معه.. طريقاً طويلاً ممتداً بالمعاناة.. هو ذاته طريق الحياة الذي ستعبره ابنته مع هذا الشاب.. فإن اجتازه بسلام فهو كفء لأن يطمئن على ابنته معه.. ** الأخلاق منظومة من القيم الشكلية والجوهرية.. معاناتنا على مستوى أصعدة عدة تتمثل في عدم مقدرتنا على فهم واستيعاب ان القيم الشكلية هي عناوين فقط وعلامات قد تشي بصدق عما خلفها، وقد تكون لافتات وضعت على البيت الخطأ - أو الشخص الخطأ!! ** الإعلام مسؤول عن تعديل اتجاهات المجتمع والدفع بسلمه القيمي الجوهري إلى الأعلى، ونشره ما يناقض هذا الهدف هو إخلال بالأمانة وتهاون في أدائها. [email protected]