لا يفجع الروح، ويفطّر الفؤاد مثل فقد الأحبة. ففاض الدمع، وعجز اللسان عن النطق، وتطلعت أشجاني نحو الأسى، حين تلقيت نبأ وفاة أختي الكبرى (لؤلؤة). إنها لؤلؤة في المحبة، ولؤلؤة في الأخلاق، ولؤلؤة في الصلة، ولؤلؤة في المروءة، ولؤلؤة في العطف والحنان، ولؤلؤة الخير. إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا على فراقك لمحزونون، وإنا على قضاء الله لصابرون، وما دواء جراحنا إلا امتثال أمر ربنا، فنقول: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } غابت عنا المرأة العظيمة، وستبقى في قلوبنا، وقلوب جميع من عرفوها خلقاً ونبلاً وصلاحاً. كانت -رحمها الله- ممن يمتلك الحكمة، والكلمة الطيبة، والرحمة الغامرة، وقد تملّك سويداء قلبها حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كانت تتمتع بموهبة فذة، كانت تزن الحديث وتعطيه لكل إنسان على قدر عقله، للصغير والكبير والشاب والرجل والمرأة. لم تكن لها أي عداوة مع أي إنسان. كانت تملأ البيت، فحين غابت عنه خيّم عليه الظلام، وعمه الحزن والاكتئاب، وأصبح البيت فارغاً بفقدها. أختي الغالية.. أم عبدالحميد.. لقد رأيت الحزن في وجوه المعزين صغاراً وكباراً، ورأيت الدموع تنساب من عيونهم حزناً وألماً على فراقك، ولا غرابة، فأنت صاحبة القلب الكبير، الحريصة على جمع شمل الاخوة والأخوات، تغضين الطرف عن هذا، وتسألين عن ذاك، وتحرصين وتبادرين فرحة مسرورة للقاء الجميع وعيونك تهل دمعاً من الفرحة عند كل لقاء أحد من اخوتك وأخواتك. فرحمة الله عليك بقدر ما قال المؤذنون على المنارات (الله أكبر الله أكبر)، وبقدر ما قرأ الناس القرآن الكريم، وبعدد ما صلى المسلمون على رسول رب العالمين، وبعدد الحروف والكلمات، وبعدد ذرات التراب والماء والهواء. رحمك الله رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته في الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء، {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ}. فوداعاً (أختي الغالية)، فإلى الرفيق الأعلى، إلى الأمان إلى جوار رب الأكوان في جنة الفردوس. والسلام عليك سلام وداع لا لقاء بعده في الدنيا بعد اليوم، وإنما الملتقى عند الذي لا تضيع عنده الودائع، ولا تفقد عنده الأمانات.