من المحير جداً أن نرى بأم أعيننا بوارق العنف والإرهاب ورعودهما تزمجران هنا وهناك في العالم الإسلامي تنتقل من دولة إلى دولة إسلامية وكأنهما تمتلكان مفاتيح الولوج إليها بلا استئذان لا بل ومن المحير جداً أن نشهد معاناة الشعوب الإسلامية والعربية من مغبات ذلك الولوج الملفت للنظر ونتائجه ومخرجاته التي انصبت حممها على الجميع خصوصاً على رؤوس الضعفاء والفقراء منهم. تحدث هذه المآسي ومخاطرها في العالم الإسلامي من الباكستان وإلى اليمن ودول المغرب العربي لتصل حتى إلى موريتانيا بلد المليون شاعر والدولة العربية الإسلامية التي عرف عنها الدعة والأمن والاستقرار. تحدث هذه التطورات المقلقة على الرغم من إدراك الجميع وخصوصاً جماعات الضلال والعدوان أن الإرهاب والتطرف والعنف تمثل أكبر المخاطر وأعظمها على حاضر ومستقبل الأمتين العربية والإسلامية. الجملة الأخيرة كانت بالفعل خاتمة ما توصل إليه مؤخراً وزراء الداخلية العرب في اجتماعهم السنوي في تونس في نهاية شهر يناير الماضي، حيث أشاروا بأن مخاطر الإرهاب على العالم العربي ليست اجتماعية وأمنية وحسب وإنما تهدد الاستقرار الاقتصادي على المديين القصير والبعيد وذلك تحديداً بعد أن ضربت عناصر الإرهاب الاقتصاد السياحي في اليمن, الإحصائيات تؤكد هذه الحقيقة فالدول العربية دفعت 1.2% من نموها الاقتصادي السنوي ثمناً للعمليات الإرهابية. صحيح أن عدداً كبيراً من الدول العربية بمقدورها تحمل مثل هذه الخسائر الاقتصادية، بيد أن دولة عربية فقيرة كاليمن تمثل هذه الخسائر ثمناً فادحاً لمستقبل الشعب اليمني برمته، وذات الأمر ينطبق بالكامل على دول المغرب وخصوصاً موريتانيا. وإذا ما وضعنا في الاعتبار ما يحدث في العراق وفلسطين ولبنان من عنف ودمار، وما يواجهه إقليم دارفور في السودان، ترى لماذا تحدث هذه التقلصات السلبية والتداعيات الخطيرة في دولة إسلامية كبيرة كالباكستان، ودول عربية أخرى غير مستقرة كالعراق ولبنان وفلسطين والسودان، وأخرى فقيرة كاليمن وموريتانيا؟ ولماذا يقع من يقع من أبناء هذه الدول فرائس سهلة لخطاب التطرف والعنف الذي يشحن في عقولهم بسهولة من خطب من ينتمون إلى تنظيم القاعدة؟. أسئلة مشروعة في زمن بات من الصعب فيه أن يصدق المسلم أن من يضحي به وبمستقبله ومستقبل أبنائه هم حفنة ممن ينتمون إلى العالم العربي والإسلامي. نعم ممن ولودوا وعاشوا ونشؤوا وأكلوا وشربوا من خيرات ذويهم وبلادهم، وكان خيارهم الوحيد التدمير عوضاً عن البناء والمشاركة والمساهمة في الحفاظ على الأمن والاستقرار والرفاهية. ألهذا الحد المتدني من الوعي، وإلى هذه الدرجة المنحدرة من التفكير والفعل باتوا يتنكرون لكل شيء في حياتهم من ماضيهم وإلى مستقبلهم ليصبحوا أدوات قتل ودمار عوضاً عن أدوات بناء وإصلاح ومشاركة إنسانية نافعة؟. ترى هل ثمة علاقة بين ما يفعله تنظيم القاعدة وعناصره وعملاؤه من دمار وتخريب وبين أعداء الأمة العربية والإسلامية؟ وبذات المنطق والقياس هل توجد علاقة إيجابية بين الفقر والجهل وسهولة تحول الشباب المعدمين فرائس سهلة في أيدي تنظيمات الإرهاب والعنف؟ سؤال تابع آخر، هل ثمة علاقة أخرى تربط بين العنف والهوامش الجغرافية للكيانات والمجتمعات البشرية تلغي النظريات العلمية الحالية والسابقة؟ أم أن العلاقة المباشرة التي يراها كثير من العلماء ويعتقدون بوجودها بين العنف والموقع أو المكانة الاجتماعية والاقتصادية لم تعد بسارية في متونها العلمية في العصر الحديث؟. أسئلة مشروعة لا نملك إجاباتها بحكم المنطق الشفهي أو التحليلي النوعي لأنها تتطلب دراسات وأبحاثاً كمية ونوعية دقيقة وجادة قد تميط اللثام عن الإجابات الصحيحة التي تساعدنا جميعاً على إيجاد الحلول الصحيحة الفاعلة والناجعة. فما يحدث من خراب ودمار وسمعة سيئة في العالم الإسلامي جراء العنف والإرهاب خطر أكيد يتوجب التعامل معه بجميع ما لدينا من قدرات وبكل ما أوتينا من قوة وعلم وخبرات كي نتمكن من المضي قدماً في مسارات النمو والتطوير عوضاً عما يفرض علينا من البقاء في مسار إعادة البناء والتشييد لما خلفته قوى التطرف والعنف والإرهاب.