لديَّ قناعةٌ لا ينازعُها شكٌّ أن المواجهة بين الإدارة و(فيروس) الأوجاع الخبيثة أو ما يُعرف اصطلاحاً ب(الظواهر غير الحميدة) ليست مسؤولية الإدارة وحدها، بل إنَّ للمستفيد بخدماتها، مواطناً كان أو مقيماً، دوراً مفصلياً في هذه الظاهرة، إما تأسيساً لها وتحريضاً، وإما تشخيصاً لها وعلاجاً، ويلاحظ في هذا الصدد أن العلاقة بين الإدارة والمستفيد بخدمتها يتحكم فيها كثير من مؤشرات المد والجزر، مرةً يسود (الود) بينهما، تعاوناً وتفاهماً، وأخرى يتنافسان في (تمرير) اللوم بينهما، كل يدعى اليقين بصواب موقفه، وتحميل الطرف الآخر الوزر كله أو جله! ** * وفي تقديري المتواضع أن المواطن أو (المقيم) ركن رئيسي في (ردع) كثير من الظواهر غير الحميدة في منظومتنا الإدارية، مهما اشتكى هو تألماً أو تظلماً أو إسقاطاً للوزر مما يسميه جور الإدارة أو سلبيتها في التعامل مع تلك الظواهر، كالرشوة واستغلال النفوذ ونحو ذلك، وهناك أكثر من موقف يفصح عن (تورط) أطراف من خارج الإدارة في نشوء بعض تلك الأمراض الخبيثة تسيرها أنانية المصلحة، وغياب الرادع التربوي والأخلاقي مما يضر بالمصلحة العامة من جهة، ومصالح المستفيدين الأبرياء الآخرين من جهة أخرى. ** * وإذا سلمنا جدلاً بمسؤولية (المستهلك) للإدارة أحياناً في نشوء بعض أوبائها، فإن من العقل أيضاً التسليم بأهمية مشاركته في علاج تلك الأمراض عبر العديد من الوسائل من بينها ما يلي: 1- تنشيط الجهد التوعوي بين الناس وذلك عبر المواعظ الهادفة في المساجد ووسائل الإعلام، طمعاً في إحداث التأثير السوي على المراجع والإداري معاً: عقلاً ووجداناً. الحزم وحده لا يجدي في مواجهة الورم الخبيث في الإدارة، ما لم يقترن بوعي الطرفين بخطورة هذا المرض وتعاونهما لتجفيف منابعه وردعه. ** 2- تشجيع المراجع بوسائل متفرقة للتغلب على سلبيته أو تردده في الإبلاغ عن موقف مريب في الإدارة شريطة توفر المسوغ أو الدليل النظامي لذلك منعاً للظن أو الكيد المشبوه، ويتساوى مع ذلك قدراً، تذليل العقبات أو الإجراءات التي يمكن أن تحرج المراجع، وتحبط رغبته في التعاون! ** 3- التشهير بمن تثبت في حقه تهمة ارتكاب خطيئة الرشوة وما في حكمها، أياً كان حجمها، ليكون عقابه المعنوي عبرة لمن لم يكتشف فعله بعد فيرتدع عما هو فاعله ويكون ذلك حافزاً لمن كانت لديه شهادة حق كيلا يحجبها رغباً أو رهباً! ** * وهناك سُبل أخرى - لاحتواء مثل تلك الظواهر غير الحميدة وتحقيق الغلبة عليها تشخيصاً وردعاً من بينها: أ- مراجعة وتقويم الأنظمة ولوائحها والضوابط وإجراءاتها خاصة تلك التي تقنن مصالح الناس وتكيف تعاملهم مع الأجهزة المعنية بها خشية وجود ثقوب خفية تتسلل عبرها جرثومة الداء الخبيث، فتفسد ما ينشد الناس صلاحه أو إصلاحه. ** ب- حث الأجهزة المعنية بمصالح الناس للكشف عن المواهب والقدرات الحميدة لدى العاملين فيها إخلاصاً في الأداء ونقاءً في الذمة، وتعاملاً سوياً مع الناس، وذلك وفق ضوابط ومعايير دقيقة ليصار بعد ذلك إلى تكليفهم بولاية شؤون وقضايا الناس، إنجازاً ورعايةً ومتابعةً ثم تُكرَّمُ هذه المواهب بأساليب شتى وظيفية وغير وظيفية، ويُشاع العلم بها بين الناس لينعم المحسن بإحسانه، فيحض غيره على الإحسان، مثلما يشقى المسيء بسوءته فيردع غيرَه عن خيار السوء! والداء الخبيث يكتسب رواجاً إذا اقترن بمروِّج فاسد الذمة، باطل السريرة، ومكافحة هذا الداء تبدأ وتنتهي في معظم الأحوال بالموظف المنفِّذ، فبه يصلح العمل إذا صلح هو، وبه يبور إذا بار!.