لما كانت شريعة الإسلام، هي الخير بكماله، والنضج الفكري بمداخله، لأنها تخاطب العقل، بما يدركه وتقنعه بما يسعده، وأنها مستمدة من ربّ كريم، هو الذي جعلها صالحة لما يسعد البشرية، وتستقيم بها أحوالهم، ما داموا مراعينها بدقة وحرص، فمن حاد عنها، يدخل في متاهات الفكر الضال الذي وضعه البشر، ولذا كانت السدّ المنيع، ضد كلّ فكر منحرف، تلك الأفكار التي لا تتكاثر في مجتمع، تكاثرت فيه النزعات، وتباينت الاتجاهات، مع الرغبة في حب الظهور.... ....والتمرد على المعايير الدينية، كما يلاحظ اليوم، في ديار الشرق والغرب، من كثرة الاتجاهات والدعوات، إلى النزعات المتعددة مما ضاع معه عقل الحليم، فلا يدري أي تلك الاتجاهات على الحقّ، في أيّ منحى من شؤون الحياة، سواء كانت أفكاراً اجتماعية، أو سياسية، أو اقتصادية أو أدبية، أو تربوية، وفلسفية، وكُلٌّ يخترع اسماً لمنهجه، والاتجاهات التي يريد، إلا كل النزعات الطائفية فإنها تتفق في الابتعاد، عن التفكير العقديّ الديني، لأنها تريد صرفه بشعارات عن الوضع الطبيعي الذي جاء عن الله، ووفق شرعه سبحانه الذي شرعه لعباده. فأي فكر من تلك الأفكار، يُحسُّ منه - من قريب أو بعيد - تباين مع وجهة النظر الإسلامية، فإنّه يجب الحكم عليه بعدم الاستقامة، لأن المطعن عليه، من مأخذه الذي لا يتفق مع المصدرين الأساسيين في التوجيه والإرشاد، وتقويم العقل، أو سلامة الفكر، لما فيه مصلحة البشر، وهذان المصدران هما: كتاب الله وسنة رسوله، اللذان فيهما خير ما يستقيم به الفكر السليم، لسلامته من كل مدخل يقدح فيه، لينطلق في مسيرته في مصلحة الإنسان، وسعادة المجتمع. ففي كتاب الله، وتدبره وفهمه فهماً حقيقياً، مما استظهره علماء الإسلام، يُصَحَّحُ مفهوم الإنسان القاصر، إما بالتأويل أو بقسر المعاني والأحداث لهدف خاص، أو أمر شاذ، وكذا ما صح من سنة رسول الله القولية أو الفعلية أو التقريرية. فهذان المصدران هما قاعدة الانطلاق في الفكر السليم، الذي لا مراء فيه ولا خلافات يقول سبحانه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (سورة النساء 82) وهو ما يجب أن تتمسك به أمة الإسلام، لكي يحرص كل فرد فيها، آخذاً بوصية رسول الله عندما قال: (تركت فيكم أمرين، لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله وسنتي). وحتى تكون الأفكار المطروحة ناضجة، ومحكوماً بسلامتها، فإنه لا بد من عرضها على هذين المصدرين، اللذين أوصى بهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته في حجة الوداع، عندما طلبوا منه أن يوصيهم، فما وافقهما وسار طالب الاسترشاد من منطلقهما أُخِذ به، بحيث تأنس به النفوس المسترشدة، وما لا.. فلا. فإن كانت مقاييس جودة الفكر، وسلامة المأخذ، في نية صاحبه تؤخذ من كثرة الإنتاج، وبذل الجهد وتحمل المشاق في سبيل ذلك العمل، فإن لنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة -حسبما أمرنا ربنا بنص القرآن- هذه الأسوة بما تركه من ثروة علمية، وفكر ناضج، وتوضيح لما يجب أن تسير فيه الأمة بعده، في سائر أمورها، حتى لا يبرز الشقاق في المجتمع، فقد تحمل -صلى الله عليه وسلم- الشيء الكثير في سبيل نشر الدعوة، وتغيير ما ترسب في العقول، من بقايا الجاهلية والفرقة والشقاق. فأنار العقول، وأضاء أمامها مسالك الطريق الصحيحة، ثم بما بثه من توجيه وتشريع، وحث على وحدة الصف، أمام من يريد التفريق بين الجماعة، حتى لا ينفذ بينهم من يفل جماعتهم بفكر شاذ، يدسّه الأعداء، حيث يحمل -عليه الصلاة والسلام- الشيء الكثير في سبيل الدعوة، وإنارة العقول، بما يفوق أي جهد، ويطغى على طاقة البشر، لأنه يبني أسساً لأمة جعلها الله آخر الأمم، ودينها آخر دين سماوي. وترسم الخلفاء الراشدون خُطى نبيهم الكريم، وحَرِصوا كما اهتم الصحابة معهم وبعدهم بالسير على الدرب الذي رُسم لهم في فهمهم للأمور ورصّ الصفوف، وتوحيد الكلمة، ممتثلين أمره الكريم بقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عضوا عليها بالنواجذ) لكن كلما تراخى المسلمون في هذه الوصية، نفذ المتربصون في جنبات الصف، لبث دسائسهم بنية سيئة وفكر ملتبس بقصد الإضرار بوحدة الصف، التي هي من مقومات الفكر السليم. وإنّ من الواجب، تغذية الفكر بما ينشطه، عندما تأتي أفكار وراءها غايات لتنازع الفكر السليم أو تحاول التشكيك فيه، وإذا كان الفكر اليهودي منذ أن وُجدت هذه الطائفة المعاندة الضالة، قد سخره أهله لمحاربة الأديان جميعها, ومعاداة الشعوب، وبث العداوات على وجه الأرض، بل تعدى ذلك إلى التطاول على الذات الإلهية، كما بان في كتاب الله الكريم، وقتلوا أنبياء الله، وبدّلوا كلام الله بما تصف ألسنتهم، حتى استحقوا غضب الله ولعنته في مواضع من القرآن. فإن مبعث هذا قلوبهم المريضة، وأهواؤهم القلقة، لأنهم لا يجدون الراحة إلا في الإضرار بالآخرين، وإقلاق راحتهم، ولا يتلذذون إلا بما يحل بالآخرين من مصائب وكوارث، وما تعديهم بالرسوم على رسول الله، إلا أعادوا ما مضى. نموذج ذلك الواقع في فلسطين، وما يعملون تجاه الشعب الفلسطيني من تجويع وتشريد على أرضه وأرض أجداده. وتدفع الشعوب المظلومة، الثمن باهظاً: أنفس تقتل، ومزارع تجتث بالجرافات، ومنازل تهدم ويشرد أهلها بغير مبرر لا شرعي ولا عقلي، وإنما جاءوا خلف فكر الطغاة والجبابرة، ووراءه مفكروهم الذين رسموا لهم هذا الدرب المعوج، المستمد من شريعة الغاب، كما هي عادتهم مع أنبياء الله من قبل. ولئن حقدت عليهم بعض أمم أوروبا، عندما اكتشفوا بعض نواياهم، وبرزت أعمالهم بظهور بروتوكولات حكماء صهيون، التي بان منهم فيها ماذا يريدون بأمم الأرض كلها بالإساءة لمن أحسن إليهم، والانتقام ممن لم يعادهم. إذا كان هذا وأكثر منه، قد عرف عن اليهود في فكرهم، وأنانيّتهم، فإن الذي يجب إيضاحه بالمقابل للأمم كلها وخاصة الذين يهاجمون الإسلام، وصحافة والدانمارك التي تسيء للمسلمين في كل مكان، برسومهم المهينة، ضد رسول الله، وتطاولهم على الله سبحانه في مسرح أعدوه للأطفال. فكيف نلام أردنا: إيضاح مكانة الفكر الإسلامي، أمام الآخرين، ونظرته للإنسانية قاطبة، ومصدره في الاستقاء ومخاطبة العقول، وبسط الحجة بالدليل المقنع، والنظرة المتفحصة. أما دور المفكرين الإسلاميين، فهو في الرجاء أن تتوسع دائرة فكرهم، والاتجاه إعلامياً في مخاطبة العقول، وشرح ما تنطوي عليه عقيدتهم، ورسالتها المتسامحة نحو البشرية عموماً، ليبرز ذلك الدور في إعلام يتصارع مع الفكر المعاكس، وليفضح الفكر اليهودي الصهيوني، ونظرته إلى البشرية في كل مكان في إعلام يدخل المحافل الدولية، ويعرّيهم بكشف وإبراز معايب الفكر اليهودي، الذي تغلغل إعلامياً في بيئاتهم، وتمازج بمقاصد حياتهم المختلفة. وذلك بالنقاش الهادئ، والحجة القاطعة، كما هي حجة سلف هذه الأمة في العصور الماضية، في مواجهة الأفكار الأخرى، ومقارعة حجة بحجة، ونقاشات صائبة في فضح النقاشات الزائفة. وكل مفكر إسلامي عليه واجب، بإبداء رأيه والمساهمة في موقعه، بجهوده، لأن هذا من واجب المعرفة، وأداء لأمانة الكلمة، التي يجب أن تقال، في وقتها المناسب، ذلك أن صلاح الأمم، ينبثق من فكر رصين، يقدم في محفل يكون منطلقاً يحرك أذهان الحاضرين حتى يجد من يتبناه، ليصبح فكراً واعياً، له أثر صائب في البيئة، وهذا يعين عليه ما يسره الله في الإسلام، من حل لكل معضلة، حتى يشارك كل مسلم من جانبه بالدفاع عما يوجه نحو الإسلام. ونختم هذا الحديث، بآية كريمة تبين عداوة اليهود للإسلام، حيث لا نستبعد أن كل هجوم وفكر ضد الإسلام، وراءه بصمات يهودية. يقول سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى} سورة المائدة 82 من عجائب الدنيا : ذكر النويريّ، في كتابه نهاية الأرّبْ مجموعة من عجائب الدنيا، وفي بعضها عبرة، وبعضها مبالغات، نذكر في هذا الموقف: عجيبتين هما: منارة الإسكندرية، وحائط العجوز. - الأولى : منارة الإسكندرية حيث قال: هي مبنية بحجارة، مهندمة مضببة بالرصاص، على قناطر من زجاج، والقناطر على ظهر سرطان من نحاس، وفيها نحو: ثلثمائة بيت، بعضها فوق بعض، تصعد الدابة بحملها إلى سائر البيوت من داخلها، وللبيوت طاقات ينظر منها إلى البحر، وبين أهل العلم والتاريخ خلاف فيمنْ بناها. فزعم بعضهم أنها من بناء الإسكندر المقدوني، وزعم آخرون أنها من بناء (دلوكا) ملكة مصر، ويقال: إنّ على جانبها الشرقي، كتابه، وإنها نُقلت إلى اللسان العربي، فوجدت: (بَنَتْ هذه القنطرة (فِرْتنا بنت مرتيوس) اليونانية، لرصد الكواكب. ويقال: إن طولها كان ألف ذراع، وكان في أعلاها تماثيل من نحاس، منها تمثال قد أشار بسبابته اليمنى نحو الشمس أينما كانت من الفلك، يدور معها حيثما دارت. ومنها تمثال وجهه في البحر، متى صار العدوّ منهم على نحو من ليلة، سُمِعَ له صَوْتٌ هائل يَعْلم به أهل المدينة طُرُوق العدو ومنها تمثال كلما مضى من الليل ساعة، صوّت صوتاً مطرباً. ويقال: إن بأعلاها كانت مرآةً تُرى منها قسطنطينية، وبينهما عرض البحر، وكلما جهز الروم جيشاً رؤي في المرآة. وللمسعودي عنها آراء أخرى، لعله يتاح عَرْضها مستقبلاً إن شاء الله، من باب العلم بالشيء. والثانية: حائط العجوز، والعجوز هي (دلوكا) ملكة مصر، وهذا الحائط من العريش إلى أسوان، شاملاً للديار المصرية من الجانب الشرقي.. وزعَمَتْ القبط: أن سبب بنائها، أن الله عز وجل لما أغرق فرعون وقومه، خافت (دلوكا) على مصر، أن يطمع الملوك فيها، فبنته، وزوّجت النساء بالعبيد، حتى يكثر النسل والذرية. وقيل في سبب بناء هذا الحائط: أن (دلوكا) ولدت ولداً فأخذت لمولده رصْداً فرأت أن التمساح يقتله، فبنت هذا الحائط، وقاية له من التمساح، فلما شبّ الغلام، رأى التمساح في مولده ذلك، فأحبّ أن يراه، فصوّر له من خشب، فلما رآه هاله منظره، واستولى على نفسه الوهم والفزع، مستيقظاً أو نائماً، فمات. (نهاية الأرب للنويري 1-392 - 395).