بالأمس خرجت من معرض الكتاب (الرائع) وأنا (أرزح) تحت ثقل هائل من أكداس (أكياس) الكتب وكان يتبعني ثلاثة من أبنائي الذين جئت بهم لمهمة (العتالة) فقط!! أي شيل الكتب و(تكديشهم) ليس إلا. وعلى باب الخروج استوقفني أحد المعارف (التافهين) وقال لي وهو يشير إلى أكياس الكتب التي أحملها: يا إلهي كل هذه الكتب ستقرؤها؟! - ثم أردف من (عندياته) دون أن يتوقف - أما قلت لكم إنه تافه - قال لا فض فوه ولا عاش حاسدوه: أنا جئت لأشتري (شوية) كتب (مجلدة) - تجليد (لماعي) ذهبي لكي أضعها في صالة البيت لكي يقول الناس عني أنني مثقف!! وأضاف هل تعرف (بياع) كتب (يسوي لي خصم)، ساعتها شردت بذهني وأنا أمثل دور من يتذكر مواصفات (البياع) الذي يبحث عنه، ولكنني في الحقيقة رحت أتذكر بكل أسى عقلية لا تقل عن عقليته تفاهة وجهلا إذ إنني حينما عدت إلى بيتي المهجور في الكويت وبعد الاحتلال الصدامي مباشرة ورحت أتفقد ما نهُب وما تُرك من أثاث وحينما دخلت إلى مكتبتي المتواضعة جداً والتي كانت بمثابة تجويف لحد جدران غرفة النوم وضعت فيه ما جمعته من كتب وسميتها مجازاً (مكنمه) أي مكتبة ومناماً نظراً لضيق البيت، أقول كم هالني أن أرى كتبي مبعثرة وممزقة ومنهوبة. ومما زادني أسى أن اللصوص الجهلة قد أخذوا الكتب المجلدة فقط!! بغض النظر عن مضمونها وتركوا سواها من الكتب بغض النظر عن محتواها أيضا، ولعل الصورة التي لا تغيب عن الذهن والتي تجسد بالفعل علاقة العسكرتاريا بالثقافة على مر العصور تؤكد ما عناه تماما وزير الدعاية النازية غوبلز حينما قال: كلما ذكرت كلمة ثقافة تحسست مسدسي!! هو أثر حذاء عسكري (بسطار) بقي منطبعاً على صفحة شبه بيضاء قد خصصها مؤلف الكتاب للإهداء وبقى الكتاب مفتوحاً وشبه ممزق على حاله لينقل هذه الصورة النادرة لبصمة لص لا يعرف من الثقافة إلا معناها المخيف. وبقيت محتفظا بتلك البصمة إلى أن سلمتها هدية لصديق كان يوثق علاقة (الحذاء والعقل) في العالم المحكوم بالحديد والنار وكان يعمل في جامعة الدول العربية ألا وهو الفنان الفوتوغرافي المبدع (محمد حاجي) الذي ابتدع تناصاً رائعاً بين القصيدة والكاميرا. *** ولكي أنتقم للثقافة من التافهين والسفهاء قلت للسفيه إياه والذي سألني عن (بياع كتب) يعمل (له خصم خاص): اسمع يا رعاك الله هيا معي إلى بياع (رخيص وكويس وابن ناس)، ثم أخذته من يده وقلت له خذ هذا المجلد (البدو - للمستشرق الألماني أوبنهايم) وخذ هذا (الأغاني - لأبي الفرج الأصبهاني) إذ فيه ستجد أجمل الأغاني! ثم أخذت المشرف على الجناح جانباً ورحت أشاوره وأفاوضه كمن يفاوض على شراء المخدرات عن بائع حذر واتفقت معه على أن يقول للتافه إياه: (أنني قد خصمت لك 50% من سعر الكتابين (عشان الأستاذ) - أي أنا - ثم - صفعه بفاتورة قيمتها (800) ريال دفعها وهو يتصبب عرقاً وكبرياء فارغة لأنه ليس من المعقول أمام الناس أن (يفشلّ) واسطته أمام البائع والجمهور بل إنه من (التفشخر) أن لا يعبأ بالنقود من أجل الديكور!! *** وحينما خرجنا ثانية من معرض الكتاب التفت إلي وهو يحملق بالأكياس الممتلئة بالكتب التي أحملها ثم سألني بغباء ولهفة: يا أبا سامي إذا كنت أنا قد دفعت (800) ريال من أجل كتابين فقط فكم يا ترى دفعت أنت ثمن هذه الكتب الكثيرة التي تحملها أنت وأولادك؟! ولكي أصعقه حنقاً قلت له لم أدفع ريالاً واحداً فصرخ متسائلاً بانذهال: شلون؟! وليش؟! فقلت له بكل بساطة يا صاحبي لأنها بمثابة (شرهات) ثقافية! سنوية آخذها من دور النشر لأنني أقرؤها ولا أستعلمها للديكور!!