الليبراليون الجدد تحالف حديث لقوة سياسية شعبية جديدة ظهرت كرد فعل مباشر لحدثين هامين: الأول محاولة تصحيح وتعديل وتقويم السلبيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تمخضت عن سياسات المحافظين الجدد الداخلية (التردي الاقتصادي). أما الحدث الثاني فيتعلق بمعالجة ما تمخض عن أحداث 11 سبتمبر الإرهابية من خلل وفوضى على المستوى الخارجي للولايات المتحدةالأمريكية خصوصاً السياسات الخارجية الشرسة كالحروب التي أقحمت فيها الولاياتالمتحدةالأمريكية في كل من أفغانستانوالعراق وما نتج عنها من اهتزاز في المكانة والمنزلة والمصداقية السياسية الأمريكية في عيون شعوب العالم كلها. صحيح أن جميع المرشحين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتفقون على ضرورة الانسحاب من العراق ولكن بدرجات متفاوتة وطبقا لجدول انسحاب موزون ومدروس. بيد أن المرشحين الديمقراطيين هيلاري كلينتون، وباراك أوباما هما أكثر استعداداً للانسحاب من العراق في أسرع وقت ممكن وهو قرار يمثل مطالب كافة الشرائح الوسطى والدنيا الأمريكية. اللافت للنظر أن كافة الناخبين الأمريكيين يدركون تماماً الفرق الشاسع بين الوعود الانتخابية (أي وعود المرشحين الناخبين) والواقع السياسي الذي يفرض على كل من المرشحين والناخبين على حد سواء، ما إن يصل الرئيس الأمريكي (أو الرئيسة الأمريكية) الجديد إلى كرسي البيت الأبيض.... ومع هذا ورغما عنه تتم عملية التصويت وفقاً لبرامج المرشحين ووعودهم للناخبين. من جهة أخرى، من المعروف أن الحزب الجمهوري الحاكم حالياً يمثل طبقة المحافظين بكافة أطيافها، كما ويمثل مصالح الأثرياء والأغنياء، مروراً بمصالح الشركات الصناعية والتقنية الأمريكية الكبرى ومعها مصالح عمالقة شركات النفط وصناعاته، ونهاية بالشركات العالمية متعددة الجنسيات التي تمتلك معظم أسهمها أشهر الأسر الأمريكية الثرية. وفي المقابل يمثل الحزب الديمقراطي شرائح الطبقتين الوسطى والدنيا بداية بالأساتذة والمحامين والأطباء والمهنيين من التكنوقراط، مروراً بالطلاب وعمال الخدمات العامة والخاصة ونقابات العمال، ونهاية بالمزارعين وملاك مزارع تربية المواشي. ترى هل ينتصر الوسط المتحالف مع القاعدة على قمة الهرم. لذلك وبهدف الحصول على أصوات منتصف الهرم وقاعدته تبنت مرشحة الحزب الديمقراطي (هيلاري كلينتون) وأيضاً مرشح الحزب الديمقراطي المنافس لها بشراسة (باراك أوباما) برامج اجتماعية واقتصادية تعنى بمصالح الغالبية العظمى من الطبقتين الوسطى والدنيا خصوصاً برنامج التأمين الصحي الشامل وخصومات في الضرائب وتنشيط الاقتصاد الأمريكي عن طريق رفع مستوى الطلب المحلي بتوفير عدد كبير من الوظائف للعاطلين عن العمل والباحثين عنه. وفي المقابل يسعى الحزب الجمهوري لتقديم جون ماكلين كمرشح معتدل يتبنى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي يمكن أن توصل بين مصالح المحافظين الجدد ومصالح المعتدلين من الطبقتين الوسطى لكل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي. المنافسة شديدة بين الليبراليين الجدد والمحافظين عامة وخاصة المحافظين الجدد الذين قطعاً لن يصوتوا لمرشح إفريقي أو لامرأة ليس وحسب لكونهما ظاهرة جديدة في عرين السياسة الأمريكية المحافظة، وإنما لكون وجود أي من المرشحين الديمقراطيين في البيت الأبيض يعني خروجاً عن القاعدة السياسية والاجتماعية والعقدية بل وحتى العرقية، فمن حكم الولاياتالمتحدةالأمريكية، منذ عهد جورج واشنطن وحتى اليوم هم من عرقية الأنجلوساكسون ومن الديانة البروتستانتية فيما عدا الرئيس الراحل جون إف كينيدي. إذ يصعب على المحافظين عامة والمحافظين الجدد خاصة أن يصبح في البيت الأبيض السيدة الرئيسة عوضا عن السيد الرئيس لا سيما وأن الرئيس الأسبق بيل كلينتون سيصبح مسماه في حال فوز زوجته هيلاري كلينتون بمنصب الرئاسة (السيد الأول) للولايات المتحدةالأمريكية عوضا عن السيدة الأولى للولايات المتحدةالأمريكية. كما ويصعب عليهم أن يجلس على كرسي الرئاسة في البيت الأبيض أمريكي من أصول إفريقية بفريق إداري جديد قد يأتي معظمهم من ذات الأصول. في حالة فوز هيلاري كلينتون هل يصبح أوباما أو نائب رئيس إفريقي للولايات المتحدةالأمريكية؟ وفي حالة فوز باراك أوباما ترى هل تصبح هيلاري كلينتون أول امرأة نائبة لرئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ بل هل من الممكن أن يعين أوباما وزيرة خارجية بيضاء؟ كل شيء ممكن في السياسة الأمريكية على الرغم من صراع الأضداد العنيف فالمتغيرات كثر والأحداث وتطوراتها أكثر في ضوء التغيرات السريعة التي طرأت على البانوراما الاجتماعية الأمريكية خصوصا في عصر ما يسمى بالليبراليين الجدد.