حسم الشباب في الحزب الجمهوري الأميركي معركتهم مع قيادة الحزب المتمثلة بطبقة سياسية تقليدية تتأثر باللوبيات الحاكمة في واشنطن والعائلات السياسية التقليدية. فاختيار السيناتور الشاب ران بول لتبوؤ موقع رئيس مجلس النواب الأميركي بعد إجبار السياسي المخضرم جو بونر على الاستقالة يعتبر مؤشراً على ذلك. على أن احتدام المنافسة بين مرشحي الحزب للانتخابات الرئاسية وبينهم عدد لا بأس به من جيل الشباب، يفصح أكثر عن عمق المأزق الذي وصلت إليه قيادة الحزب. وإن كان هذا المأزق يعبر عنه في هذه المرحلة من الحملات الانتخابية، من خلال تقدم رجل الأعمال دونالد ترامب المرشح القادم من خارج مؤسسة الحزب الجمهوري والطبقة السياسية التقليدية التي تهيمن عليها، لذلك ربما ما زال ترامب يحظى ببعض الدعم من الشرائح الشابة في قواعد الحزب الجمهوري الغاضبة على القيادة المهزومة أمام الإنجازات «اليسارية» التي تعمل إدارة الرئيس الديموقراطي باراك اوباما على ترسيخها في المجتمع الأميركي. لكن على المدى الاستراتيجي، لا ترى الشرائح الشابة في الحزب الجمهوري في ترامب مرشحها الحقيقي والنهائي وتعتبر أن الدعم الذي يلقاه حالياً من القواعد المحافظة في الحزب ما هو إلا موقف تكتيكي يهدف إلى إقصاء مرشحي المؤسسة التقليدية، مثل جب بوش، عن حلبة المنافسة إفساحاً في المجال أمام المرشحين الشباب. وفي طليعة هؤلاء الشباب، سيناتور فلوريدا عن الحزب الجمهوري ماركو روبي الذي أظهرت بيانات الشركات المتخصصة ببيع الخدمات الانتخابية أن صوره هي الأكثر مبيعاً بين جميع المرشحين الجمهوريين، وأنه يتقدم بنسبة تتجاوز الثلاثين في المئة بفارق نحو ست نقاط عن جب بوش. ورأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن استطلاعات الشركات المبنية على بيع صور المرشحين هي أصدق بكثير من استطلاعات رأي الناخبين من خلال التقنيات الأخرى، لأن شراء الناخب صورة المرشح ودفع مبلغ مالي رمزي لدعم حملته الانتخابية يعطيان مصداقية أكثر لتوقعات الاستطلاع. ويتحدر ماركو روبي من أصول كوبية وهو من مواليد ،1975 ما يجعله أصغر عضو في الكونغرس الأميركي. ولأنه يلقى شعبية واسعة وسط الجالية الكوبية المسيطرة في ولاية فلوريدا، فهو يعتبر ضمانة للحزب الجمهوري كي لا يخسر أصوات الأميركيين من أصول لاتينية لمصلحة الحزب الديموقراطي، خصوصاً بعد تصريحات ترامب العنصرية تجاه المهاجرين اللاتينيين وتعهده ببناء جدار فاصل مع المكسيك وتعديل الدستور لإلغاء القانون الذي يعطي الجنسية الأميركية للمواليد الجدد في الولاياتالمتحدة. والمخاض الذي يمر به الحزب الجمهوري حالياً، وصراع الأجيال الذي يشهده وميل الدفة لمصلحة بروز قيادات شابة، تشبه إلى حد بعيد ما شهده الحزب الديموقراطي خلال الحملة الانتخابية للمعركة الرئاسية عام 2008، عندما بدأ يلمع نجم السيناتور الشاب باراك اوباما الذي أصبح أول رئيس أميركي من أصول افريقية إثر فوزه على سياسي جمهوري مخضرم مثل جون ماكين. ولا شك في أن المرحلة الأوبامية، التي استمرت على مدى ولايتين رئاسيتين، بما شهدتهما من قرارات وسياسات داخلية وخارجية، غيرت وجه أميركا وأدخلت تحولات بنيوية على تركيبة المجتمع وهويته الثقافية، شكلت صدمة هزت أركان الحزب الجمهوري ومن خلفه الغالبية البيضاء ذات الأصول الاوروبية. وقوي عود المحافظين في قواعد الحزب الجمهوري وكانت الفئات الشابة في طليعة المتحمسين للمواجهة مع سياسات اوباما اليسارية، فكانت حركة «حزب الشاي» المحافظ التي ينتمي إليها ماركو روبي. وكأن الجمهوريين أيقنوا ان عودتهم إلى البيت الابيض لن يكتب لها النجاح هذه المرة إلا من خلال مرشح شاب من خارج المؤسسة السياسية التقليدية، تتماهى تجربته السياسية مع تجربة الشاب باراك اوباما الذي فضل ناخبو الحزب الديموقراطي عام 2008 ترشيحه على السياسية المخضرمة هيلاري كلينتون. فهل يثأر هذا الكوبي الشاب للحزب الجمهوري في انتخابات العام المقبل، ويشفي شرائح واسعة من المجتمع الأميركي من عقدة الأوبامية؟