نستعرض في الجزء الأخير ظاهرة الصدى في شعر المتنبي ، وماهيته ، ونتوقف عند الأمواج الصوتية حين تتهادى إلى اسماعنا ,. يعرف الصدى بأنه الصوت المرتد عند وجود حاجز أو أكثر بشكل معين تعترض مسار الصوت الاساسي, فعندما يصدر الإنسان اصواتا بطريقة معينة أو يصفق فإن موجات الصوت تسير عبر الهواء في جميع الاتجاهات كما سبق ذكره, ونحن نسمع الصوت أولا عندما تصل الأمواج الصوتية الى آذاننا، وإذا اصطدمت موجات الصوت بأجسام كبيرة مثل الجبال المانعة للصوت أو جانب بناية ما فإن هذه الموجات ترتد عكسيا الى الخلف, وينتج عن ذلك تواجد موجتين متحدتين في التردد والسرعة والسعة، ويحدث بينهما تداخل، ويكون لهما محصلة, فإذا كانت المسافة بين المصدر والحائل مناسبة تكوت بينهما موجات موقوفة أو ساكنة، ويمكننا سماعها مرة أخرى, وهذا الصوت الذي نسمعه مرة أخرى هو الصدى, ولا يمكن في بعض الأحيان سماع الصدى، والسبب في ذلك هو إما كون الصوت الأساسي ضعيفا جداً أو كون الجسم المعترض للصوت الأصلي صغيرا جدا. إضافة لما تقدم فاننا قد لا نستطيع معرفة الفرق بين الصوت الأساسي وصداه عندما يكون بُعد الشيء العاكس أقل من سبعة عشر مترا عن مصدر الصوت الأصلي, وقد نسمع في بعض الأحيان اكثر من صدى لصوت أساسي واحد، وهذا يلاحظ في الأودية، وبخاصة الضيقة منها حيث يوجد هناك عدة سطوح تعكس موجات الصوت الأصلي، وفي هذه الحالة فإن موجات الصوت ترتد من سطح الى سطح آخر، ولهذا السبب فإنه يمكن سماع عدة أصداء لصوت واحد, ويساعد الصدى في معرفة بعدنا عن الشيء المنتج للصدى, فمن المعروف علميا ان موجات الصوت تسير بسرعة 1,6 كيلومتر في خمس ثوان في الهواء، ولهذا فالصوت يلزمه عشر ثوان ليصل الى الشيء الذي بعده ميل واحد ليرتد عنه, ومن هذه الطريقة يمكننا معرفة بعدنا عن الأشياء, اضافة لذك فإن موجات الصوت التي تنتقل عبر الماء ينتج عنها صدى أيضا. قال أبو الطيب في قصيدة يمدح بها سيف الدولة ويهنيه بعيد الأضحى: أجزني إذَا أُنشِدتَ شِعراً فإنَّما بشٍعرِي أتاكَ المَادِحُونَ مُرَذَّدَا وَدَع كُلًّ صَوتٍ غيرَ صَوتِي فانَّني أنا الصَّائحُ المحكِيُّ والآخرُ الصَّدَى يقول أبو البقاء العكبري في شرح البيت الأول: أجزني: من الجائزة، وأصل الجائزة أن بعض الملوك كان في حرب وبينه وبين قوم نهر، فقال من جاز الى الجانب الآخر كان له كذا، كان إذا جاز الرجل أعطاه عطاءه، فقيل قد جازه، وقيل: إنما سميت جائزة لأنها تجوز لصاحبها، من قولك: هذا يجوز، وهذا يمتنع, والمعنى: يريد إذا أنشدك شاعر شعرا يمدحك فأعطني، فإن الذي أنشدته شعري يردده المادحون، ويكررونه عليك، وذلك لأنهم يأخذون معاني أشعاري فيك وألفاظي، فيأتونك بها. ويقول العكبري عن البيت الآخر: الصدى: الصوت الذي يسمع من الجبل، كأنه يحكي قولك أو صياحك، وهذا مثل, يقول: شعري هو الأصل، وغيره كالصدى الذي يكون حكاية لصوت الصائح وليس بأصل, اي لا تلتفت الى شعر غيري، فإنه ليس بشيء، والأصل شعري. لقد أبدع شاعر العربية غاية الإبداع في بيتيه السابقين في استخدام الصوت وصداه وتردده في التفريق بين جودة شعره وقوته وبلاغته وضعف شعر الآخرين مقارنة به، فشعر الشاعر مثل قوة الصوت وشدته عند انطلاقه أما شعر الآخرين فما هو إلا ارتداد لصوته وصدى له لذا فشعرهم أقل من شعره قوة وشدة ومعنى.