السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد: لكل أمة من الأمم لغة خاصة بأهلها يتخاطبون بها ويعبّرون من خلالها عن آرائهم وافكارهم، وعمّا يدور في خلجات نفوسهم، كما أنهم يتعلمون العلوم النافعة عن طريقها، ولعل المتتبع لأحوال العالم اجمع يلحظ الاهتمام البالغ والاعتزاز الشديد لكل شعب بلغته الأصلية، حيث يعتمدونها اساسا في مخاطبة الآخرين والتعامل معهم ولا يمكن ان يتنازل عنها او يتحدّث بغيرها ما لم تدع لذلك ضرورة ملحّة، وهذا حق من الحقوق المتأصلة في النفوس، ونحن في البلاد العربية اكرمنا الله تعالى بأشرف لغة وأفضلها ألا وهي اللغة العربية الفصحى تلك اللغة التي تشرّفت بنزول القرآن بها، وجعلت النبوة لأبلغ المتكلمين بها صلى الله عليه وسلم ولذا فتعاليم الدين كله من قرآن وسنّة وادعية واذكار جاءت على هذا اللسان العربي الخالد فله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، ولهذا فإذا اعتزّت الأمم السابقة واللاحقة بلغاتها وناضلت في سبيلها فإن لغتنا العربية تستحق منّا اكثر من ذلك كيف لا وهي اللغة العالمية التي نزل القرآن الكريم على احرفها، ونطق افضل الخلق وأفصحهم بها؟؟ نعم ايها الأحبة ان لغتنا العربية تستحق كل الاهتمام والعناية وان تكون بفصاحتها وبيانها وسيلة للتخاطب في جميع شؤون حياتنا فيا ترى هل قمنا بذلك تجاهها وهل قدّرناها حق قدرها؟؟ واقعنا وللأسف مليء بمن يجفو لغته ويتنكر لها دون ان يشعر، وحتى لا أكون مبالغاً اورد بعض الامثلة التي يتبين لنا من خلالها قلة اهتمامنا بلغتنا الخالدة: 1 أثناء محادثتنا مع بعضنا لا نتحدث بلغتنا العربية الفصحى، بل إننا وللأسف نتعجّب إن لم نسخر ممن يتكلم بها حتى صارت العامية عندنا اصلاً والفصحى فرعا!! 2 في عالمنا العربي الواسع صار لكل قطرٍ لهجته العامية الخالصة التي تميزه عن غيره من الاقطار حتى وصل الأمر الى استبدال بعض الحروف بغيرها بل وحتى ابناء البلد الواحد تتعدّد لهجاتهم باختلاف مناطقهم حتى انك تستطيع أن تعرف منطقة المتحدث عند أول وهلة من سماع حديثه، بل ان كثيراً من الألفاظ العامية لا يعلم معناها إلا من تحدّث بها فقط. 3 في أثناء حديثنا مع العمالة الاجنبية الوافدة نكسّر اللغة العربية تكسيراً لا يطاق ونهدم فصاحتها وجمال تراكيبها بكل معاول الهدم والتدمير حتى صارت كالثوب المرقع بمئات الرقع فالله المستعان. 4 اهتمام الكثير منّا بالشعر العامي والشعبي على حساب شعرنا العربي الأصيل منبع الحكمة والفصاحة والبيان. 5 تنكر الكثير من المصانع العربية للغتنا الخالدة وذلك من خلال تدوينها للبيانات المتعلقة بمنتجاتها كاسم البلد المنتج ومحتويات المادة المصنّعة وتاريخ الانتاج ونهايته والتعليمات الخاصة بطرق الاستعمال ونحوها باللغة الانجليزية، ولا اخفيكم سراً انني كنت انوي الحديث عن هذا الموضوع من فترة ليست بالقصيرة، حتى جاءني أحد المربين الفضلاء بزجاجة دواء فيفادول من انتاج مصنع الدوائية وقد كتب عليها بالعربية مسكِّن خافض للحرارة أما باقي المعلومات المهمة كاسم البلد المنتج وتاريخ الصنع ونهاية مدة الاستعمال وطريقته وغيرها من المعلومات فقد دوِّنت باللغة الانجليزية, وقال لي بنبرة حزينة بقدر فرحي بهذا الانتاج الرائع إلا انني حزنت لتجاهل لغتنا الأم وخصوصاً ان البلد المنتج عربي والدواء يُصرف لمواطن عربي عندها استعنت بربي في كتابة هذا الموضوع لانني على يقين تام ان الجهات المعنية بهذا الشأن ستولي هذا الأمر كل عنايتها واهتمامها وعموماً عشمنا في مصانعنا العظيمة كبير وأملنا بتجاوبهم لا حدود له. أيها الأحبة: إن اهتمامنا بلغتنا قضية مهمة لذا فعلينا جميعاً ان نعتز بلغتنا ونبتعد عن ترديد العبارات الأجنبية دون حاجة, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اياكم ورطانة الأعاجم والرطانة هي: التكلم بالأعجمية وقال شيخ الإسلام حول هذه المسألة المهمة: وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ، أو لأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، فلا ريب ان هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية وأرض العراق وخراسان ولغة أهلها فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية، عوّدوا أهل هذه البلاد العربية حتى غلبت على أهل هذه الأمصار، مسلمهم وكافرهم، وهكذا كانت خراسان قديماً، ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسية حتى غلبت عليهم وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب ان هذا مكروه، إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله ، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنّة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد ان ينتقل إلى اخرى فإنه يصعب, اه اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/468,وختاماً أزجي كامل الشكر والتقدير لكل من اهتم بلغته واعتز بها وجعلها محوراً لكلامه وكتاباته والشكر موصول للجزيرة الجريدة على ما تقوم به من جهود لتوصيل رأي الناقد لكل من يهمه الأمر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحمد بن محمد البدر الزلفي